ذهبت لتعزية صديق عزيز علي، في وفاة والدته - يرحمها الله -. وعلى هامش العزاء دار حديث قصير معه حول «وجع» فقدان الأم، حتى ولو كانت في آخر حياتها في غيبوبة كاملة لا رجعة فيها. ساد صمت قصير، قبل أن يقول لي «اشبعوا من أمهاتكم ما دمن عندكم».
حينها شعرت وكأن الأرض قد اهتزت من تحت أقدامي، فالعبارة التي قالها بعفوية، أو ربما انعكاسا لوجع الفراق، عبارة أقوى من كل النصائح التي يمكن للإنسان تقديمها لعزيز له لا يعرف قدر أمه.
نصيحة ذهبية، قدمها إنسان لتوه قد فجع بفقدان أمه، كي لا يفرط غيره في أي لحظة يمكنه الجلوس معها. فالساعات والأيام قد تمر من أمامنا بسرعة البرق بعيدا عنهن.
لا نفهم معنى ولا قيمة الدقيقة التي نقضيها معهن، حتى إذا ما أخذنا الزمن وأخذها القدر، نتمنى لو تعود لنا ولو للحظة واحدة نقبل فيها يديها وقدميها.
نحن وأمهاتنا نتقاسم مراحل الحياة، ففي طفولتنا يسهرن على راحتنا، ويتألمن لألمنا، ويفرحن لفرحنا. هن الحضن الدافئ مهما كبرنا، وكنز الحنان الذي نظل بحاجة إليه حتى آخر لحظة في حياتنا.
يرعوننا في صغرنا وتعملن ليل نهار لإسعادنا، لا ينمن قبل أن ننام، ولا يرتحن إلا إذا رأين الابتسامة على وجوهنا. نكبر وندرس ونتخرج ونعمل ونتزوج وننجب ذريتنا، فتتبدل الأدوار، وتتحول المهام، لتصبح الأم هي من تحتاج لقلب دافئ يحتضنها، ولكلمة طيبة تسعدها، ولرعاية صحية تريحها. تريد من يحاكيها، ومن يستمع لقصصها عن الماضي الذي عاشته بحلوه ومره، تحب من يستمتع بالجلوس معها دون ضجر أو نظر لساعته أو الانشغال عنها بهاتفه، فكلها قضايا لا تعني لها شيئًا.
اسمعوا نصيحة هذا الإنسان الحكيم، الذي أوجعه فراق أمه، ولا تتركوا اللحظة التي يمكنكم فيها إسعاد أمهاتكم، فغدا قد تبكونهن كما لو كنتم أطفالا.
ولكم تحياتي