منذ فجر التاريخ والناس يختلفون، بل ان الاختلاف علامة الرغبة في الوصول للأفضل، ودليل الوعي بأهمية الحوار، وعلامة اليقين بأن دوام الحال من المحال، وهذا يعني الانسجام مع الواقع، والاستجابة لما قد يطرأ على المجتمع من متغيرات نتيجة عوامل وعي أفراده بأهمية التطوير ومسايرة المستجدات وعدم الوقوف في وجه تيارات الإصلاح الشامل لكل معوقات التنمية، ومحبطات العمل الوطني، باعتبار ذلك مسئولية مشتركة بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف أطيافهم الفكرية والثقافية.
منذ فجر التاريخ والناس يختلفون، لكن العقلاء منهم هم الذين يقودون الاختلاف إلى آفاق التلاحم الوطني، وليس إلى طريق الخلاف المتنامي الذي تغذيه جهات لها أجندتها الخاصة للنيل من مقدرات ومكاسب الوطن والمواطن، وثمة فرق شاسع بين الاختلاف الهادف لتطوير أدوات العمل الوطني بما يحقق المصلحة العامة، وبين الخلاف الهادف لزعزعة إيمان المواطن بوطنه، وعزل هذا المواطن عن المشاركة في الحراك التنموي لبلاده، وهذا الخلاف هو الفتنة بعينها، عندما يجد من يغذيه بالأحقاد والضغائن، ونبش قبور الأحداث المؤلمة التي عفا عليها الزمن في زمن يقتضي أقصى حالات الحرص على سلامة وأمن الوطن، وليس من الحكمة أن يتمسك أحد الأطراف بموقفه بشكل حاد وانفعالي؛ لأنه بهذا الموقف إنما يلغي الآخر ويهمشه، وهنا يقود الجميع إلى دوامة الاتهامات والشكوك والانغلاق على الذات، فتنعدم الثقة، ويغيب الوعي عن إدراك خطورة الهبوط إلى هذا المنحدر المؤدي إلى هاوية العجز عن استيعاب معطيات الواقع، وما يفرضه هذا الواقع من ضرورة التلاحم والتكاتف بين أبناء الوطن الواحد لصد رياح الأطماع الجشعة، والمؤامرات الخبيثة، وحملات الإساءة للمنجز الوطني، وهي أطماع ومؤامرات وحملات تشويه يقوم بها أعداء يعلنون عن أنفسهم دون حياء، ويجهرون بأطماعهم دون خجل، مما يستوجب صلابة الجبهة الداخلية بوحدة أبناء الوطن وتكاتفهم وتآزرهم.
إن التفاهم والتآلف بين أبناء الوطن الواحد لا يتحقق بالأماني الطيبة، ولكنه يتحقق بعوامل لا بد من توفرها، ومنها الشعور بالعدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وغياب المحسوبية والقضاء على الفساد، ومحاربة البطالة والفقر، وتوفير حرية الرأي المنضبط والمنسجم مع مقتضيات الإصلاح وتصحيح المسار التنموي، وهذه مسئولية مشتركة بين جميع أبناء الوطن الواحد.