الشأن اليمني هو شاغل المنطقة، والمستولي على اهتمام الناس في هذه الفترة بعد التطورات الدراماتيكية العالية الحدة التي شهدتها مدينة عدن العاصمة الثانية، والمؤقتة، للجمهورية اليمنية، بمعنى أن الظروف الداخلية اليمنية والإقليمية والدولية هي التي فرضت هذا المناخ الذي يجعل المدينة الثانية تصبح العاصمة لكي تحرر العاصمة الرئيسية وتستعيدها، وتبسط عليها سلطة، وسيطرة الشرعية.
أعود لعدن المدينة، وأزعم أن اسمها تردد على مسامعي منذ الطفولة حيث كنت أسمع جارتنا الحاجة حليمة لا تمل من ذكر عدن خاصة عندما تؤكد لمن تحدثه من نساء الحارة أنَّ زوجها ناجي وهو والد ابنتها الوحيدة ميت ومدفون في عدن. هذه المدينة كانت قاسما مشتركا في حديث الحاجة حليمة، فإما أن تنسب إليها الأشياء أو تؤكد أن أجمل ما تقتنيه وتهديه لمن حولها له علاقة بها.
لا أظن أن أيا من جاراتها لم تتلق يوماً طبقاً من صنعها والذي يعد دون نقاش حسب الوصفة العدنية، فالرز العدني بالبطاطس وقطع اللحم معروف مصدره دوماً، ذات مرة أخبر صلاح زوج ابنتها التي تعيش معها أحد الرجال في الحارة بأن الحاجة تلقت تبغا عدنياً فاخراً من النوع التقليدي الذي تدخنه في فسحة المنزل كل مساء، وأعطى له كمية صغيرة ليجربها هدية من الحاجة ومن عدن كما تردد الحاجة دائماً. كل الأشياء الجميلة التي تزين علاقة الحاجة حليمة كانت عدنية أو على الأقل صنعت بأنامل عدنية، بعبارة ثانية كانت تلك السيدة المسنة البيضاء الناحلة صاحبة الصوت الحاد رسالة ناعمة ومؤثرة في الآخرين على طريقتها العدنية الخاصة جداً. بعد زمن اكتشفت أن علاقتي السماعية بعدن تتطور دائماً عبر الناس، الجيران، والمعارف، أو الأصدقاء الذين جمعتني بهم دُرُوب الحياة هنا، وهناك. وكم كان مبهراً لي عند ما أخبرني أحد الأصدقاء وهو دبلوماسي يمني وعدني أيضاً أن من أقدم الغرف التجارية التي أقيمت في المنطقة العربية غرفة تجارة عدن، وأن البث التليفزيوني فيها انطلق في وقت مبكر قياساً بغيرها، وكم سمعت عن نواديها ودور السينما فيها وعرفت عن تنظيمها الهندسي كمدينة عصرية سبقت كثيرا من شقيقاتها المدن العربية الأخرى.
في الآونة الأخيرة بدأت الشرعية تسعى لاستعادة الدولة بمعناها الحقيقي على الأرض اليمنية بمساعدة التحالف العربي، وبدأت العمليات الفعلية لتحرير العاصمة صنعاء وتطهير الشمال، أسوة بالجنوب الذي سبق إلى مجد الخلاص من القوى الطامحة للقيادة العمياء، وقد استبشرنا جميعا في العالم العربي، وفي العالم بأن الإغاثة التي كان الحوثي يحبسها عن الأطفال، والنساء، بدأت تعرف طريقها إلى الناس، بفضل وقفة التحالف العربي الحازمة.