مما يؤسف له حقا أن ترى شيخًا يناهز الثمانين أو يزيد مريضًا يتوكأ على عصا لا يكاد يمشي خطوة حتى يقف خطوات يسترد فيها أنفاسه المتلاحقة وقواه الخائرة، وصحته المنهارة، انزله السائق وذهب يبحث عن موقف لسيارته. الرجل المسن يحاول أن يصل إلى حجرة الانتظار في المستشفى، يكاد ينزلق على الرخام فيتشبث بعصاه البديل عن أحد أفراد أسرته والعصا بدورها تكاد تخونه وتنفلت من بين يديه لتنضم إلى بقية الأسرة الفارة من خدمته. كاد يسقط مرات لولا لطف الله ومساعدة أحد المراجعين، لا يعقل أن يكون هذا الرجل ليس له أبناء أو أسرة فمن الذي كلف السائق اذاً بنقله للمستشفى؟ والكثيرون مثله فهل كل هؤلاء ليس لهم أبناء وأسر؟!
مثال آخر.. مريضة مسنة ترافقها الخادمة تدفع العربة بشكل عشوائي دون اهتمام أو رحمة ومما زاد في مرارة المنظر تركها المرأة العجوز وسط الممر بين المارة وذهابها للتحدث مع خادمة اخرى ترافق شيخًا مريضًا مغمض العينين لا تدري هل هو نائم أم مستيقظ تساوت الأمور بالنسبة لها، ولكنه أحسن حظا حيث استقرت عربته بعيدا عن المارة والأنظار، لاحول ولا قوة إلا بالله أين أهل هؤلاء المرضى؟ وكيف سمحت لهم عواطفهم ترك أقرب الناس إليهم لأيدٍ غير أمينة والاعتماد على غرباء في رعاية آبائهم وأمهاتهم وهم في هذه الحالة من العجز والشيخوخة والضعف والحاجة للحب والرحمة والعناية؟! لم يترك الآباء أبناءهم ولم تتركهم أمهاتهم رضعًا وصبية، ضعفاء لا حول لهم ولا قوة حتى بلغوا مبلغ الشباب وقوة الرجال، نبتة رويت بالحب والجهد والعطاء والدم والعرق، والصحة والقوة بسخاء حتى جفت المنابع دون منة وبدون مقابل، (فهل هذا جزاء الإحسان)؟!
«واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا» وكذلك زيادة طول العمر وسعة الرزق « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» خاصة عند سن العجز والشيخوخة (اما يبلغن عندك الكبر).. هذا هو الوقت الذي يحتاج فيها الآباء للأبناء. بروا آباءكم يبركم أبناؤكم.