ما يحدث في إيران من احتجاجات شعبية يجعل السؤال اليوم عن سبب كل ذلك محل استحقاق، الفضاء الإعلامي مليء بالتفسيرات، التي تُقدم على انها إجابات على ثورة الناس هناك، ولكن تبقى المحاولة العلمية، والأكاديمية هي التفسير الأكثر قربا لطبيعة، وحقيقة ما يحدث في ايران منذ أواخر شهر ديسمبر 2017م واختار وبعناية كتاب «لماذا يثور الناس» والفكرة الرئيسة لهذا العنوان، ولدت كفكرة لأطروحة علمية لنيل درجة الدكتوراه للباحث (تيد روبرت قير) وكان محور البحث الرئيس تقصي أسباب حدوث العنف السياسي في المجتمعات البشرية، للخروج بنظرية تخبر المهتمين عن سبب بروز تلك الظاهرة المدمرة في المجتمعات البشرية، وجاء الكتاب في عشرة فصول تتحدث عن العنف السياسي ومسبباته، وانعكاساته على مسيرة التاريخ البشري من حيث سنوات الاستقرار، والهدوء، وما يقابلها من سنوات التعقيد. أبرز فكرة يمكن ان نشير إليها هي الفكرة التي يعتقد المؤلف انها جوهر تحرك الناس، وميلهم للثورة، وهي فكرة وجود حرمان نسبي في المجتمع، الحرمان هنا يناقش بمعانيه المختلفة السياسية، والاقتصادية، والمدنية والطبيعية. ويرى الكتاب أنه في المجتمع الذي تزداد فيه معاني الحرمان، يكون مؤهلا بصورة أكبر لإعلان الناس رفضهم لسلوك النظام. في الحالة الإيرانية هذه الجزئية موجودة بوضوح، حيث ان خروج الناس للتعبير عن مواجعهم من قوانين الثورة واشتراطاتها بلغت مرحلة لم يعد الناس قادرين على احتمالها، الكتاب يورد علامات للثورة الشعبية ويعطيها مسميات علمية جوهرها أن الناس تتحرك ضد السلطة عندما تصل لقناعة جماعية بأن هناك حالة انسداد في التواصل مع النظام. في الحالة الإيرانية هناك شعور متعاظم بانسداد القنوات بين السلطة والناس، والأخطر تعمق شعور جمعي بعدم فائدة وجود هذه القنوات الشكلية التي توفرها السلطة كمنصات لاصطياد الناس. هذا ملمح جزئي لتفسير ثورة الشعب في إيران.
الأبواب الأخرى وبتطبيقها على الحالة الإيرانية تشير الى كثير من الاخطار التي تكتنف الوضع الشعبي والرسمي هناك والذي تقوده ثورة عميقة وعتيقة في مواجهة ثورة شعبية جديدة، أبرز نقطة يمكن الإشارة إليها هنا ان الرصد العلمي يؤكد ان ليس هناك نصف ثورة، بمعنى إذا لم تكن الصفوف منظمة من قبل المطالبين بحقوقهم من مستشعري الحرمان، فان هذا التحرك الذي يسمى في بداية بمظاهرات، سيجد ردا عنيفا من السلطة الأمنية العميقة، وتؤكد الدراسات ان خروج الناس يكون في الغالب عند نقطة مفصلية يدركون عندها أن لا عودة عما خرجوا له، إلا القمع. بقيت اعتبارات الخارج ببعدها الدولي، وهي مهمة ولكنها تلعب دورا اقل حسما في بداية تحرك الناس ويعاب عليها انها لا تأتي إلا في مراحل متأخرة وتحاول التأثير على مصالح السلطة في إيران الاقتصادية، والتجارية، وتدين ما يحدث من مخالفات لحقوق الانسان. التفسيرات الاكاديمية فيها بعض التعقيد، وفيها أيضا متعة الاقتراب من الحقيقة، التي باتت مفتوحة على كل الاحتمالات في إيران.