الحرب الأهلية في اليمن تبقى احدى نوافذ إيران لإعلان تدخلها المفضوح في شؤون دول الجوار. المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي تحدث الأسبوع الماضي بكلام خال من المعنى، عن المملكة العربية السعودية وقال ما معناه: إن دعم المملكة، ودول التحالف لاستعادة الشرعية في اليمن، يشكل فضيحة للمملكة!!
هذا الكلام كما ألفناه ليس الا التمهيد التقليدي للوصول إلى محاولة تبرئة النفس من كل الاعمال المشينة التي تقوم بها في المنطقة، وفي اليمن بشكل فاضح، حيث يقول نفس المتحدث: إن ايران لا تمد الحوثيين بالسلاح، ولا بالمال، ولا بالخبرات العسكرية البشرية اللبنانية، ولا حتى بالمواد الغذائية!
سعي طهران مستميت وغريب ومكشوف للنأي بالنفس عن التورط في دعم الانقلابيين والمنشقين في مجتمعاتهم في لبنان، واليمن وغيرها. أكثر من ذلك قدمت إيران شكوى للأمم المتحدة ضد الولايات المتحدة الامريكية بأنها والمملكة العربية السعودية ترتكب جرائم حرب في اليمن.
الاغرب من كل ذلك الرؤية الإيرانية لما يحدث في اليمن وكيف تقارب موضوع الحل عبر ما تسميه «الحوار» يسبقه وقف اطلاق نار كامل من قبل التحالف، ثم تشكيل حكومة يمنية يسيطر عليها الحوثيون، أو حسب التعبير الإيراني يكونون جزءا منها. أي إنها تود بعبارة أخرى شرعنة واقع اختطاف الدولة، والمجتمع والمستقبل في اليمن.
هذه الرؤية تعكس فجيعة إقليمية ودولية في إيران الدولة التي لم تنضج بعد، إيران لا تزال تعيش على بركان الثورة، وتريد استمرار هذا السعير الطائفي، والتمزيق العربي، لتحقيق مصالحها وأطماعها التي يؤسس لها عقديا، وسياسيا. أخطر الأمور التي تلقي بظلال قاتمة جدا على مستقبل المنطقة من خلال هذا الدور الإيراني هو افتقار إيران للحكمة التي كانت تسمى بالفارسية، والتي اشتهرت عن حكماء، وأمراء العصور السابقة في إيران، ولعلنا نتذكر كل ذلك عبر عمل سياسي متميز ويحتل مكانة مهمة في التاريخ السياسي الإنساني هو الكتاب الأول للمفكر والفيلسوف الفرنسي الأشهر مونتسكيو (1689-1755) وهو كتابه «رسائل فارسية» الذي ألفه في 1721م جوهر هذا الكتاب، ايمان مونتسكيو في حينها أن القيم التي كانت تحكم بلاده فرنسا في ذلك الحين قد أصبحت بالية ولم تعد تتماشى مع روح العصر، وأن المجتمع والحياة السياسية أصبحت آيلة للسقوط، وكان الرجل كغيره من فلاسفة ومفكري عصره يؤمنون بضرورة ثورة تجدد المنظومة الفكرية، والثقافية. كان يود ان يقول كل ذلك، وأكثر، فلجأ إلى حيلة ذكية، حيث كتب في شكل روائي رسائل قيل إن حكماء فُرسًا، وامراء زاروا فرنسا وعرفوا طبيعتها وحياتها وسياستها فكتبوا تلك الرسائل التي هي عبارة عن نقد وإصلاح للأوضاع في فرنسا، ولعل جزءا من مقبوليتها لدى الناس بعيدا عن مضمونها السياسي أن الناس توخت أن فيها حكمة الشرق. المؤسف اليوم أن هذه الحكمة غائبة، والمؤسف ان الغرب الذي تحايل مفكروه يوما بالحكمة الفارسية، أن عليهم أن يقولوا كلمة بشكل سياسي في المحافل الدولية وبشكل عملي عبر العلاقات الثنائية، والمتعددة. أن إيران اليوم هي فرنسا الأمس للأسف.