التنسيق الأمني بين دول المجلس ومجلس وزراء الداخلية العرب يعود الى بدايات التأسيس لمجلس وزراء الداخلية في عام 1982م. فقد طرح الامير نايف بن عبدالعزيز -رحمة الله- فكرة إنشاء المجلس خلال المؤتمر الأول لوزراء الداخلية العرب الذي عُقد بالقاهرة عام 1977م، لتعميق أفق التعاون الأمني بين الدول العربية بعد تنامي وتيرة التهديدات على الامن العربي. وبعد ذلك تقرر إنشاؤه في المؤتمر الثالث الذي عُقد بمدينة الطائف عام 1980م. وقد صدق المؤتمر الاستثنائي لوزراء الداخلية العرب الذي عُقد بالرياض عام 1982م، على النظام الأساسي للمجلس، والذي تم المصادقة عليه من قبل مجلس الجامعة العربية في سبتمبر من نفس العام. فعلى مدى أكثر من 34 سنة لم ينقطع هذا التنسيق بين دول مجلس التعاون كأعضاء في مجلس وزراء الداخلية وبين مجلس وزراء الداخلية، منذ عقد الدورة الاولى لمجلس وزراء الداخلية العرب في الدار البيضاء في عام 1982 وحتى آخر دورة التي عقدت في تونس في ابريل الماضي (2017).
ويوم الإثنين الماضي (18 ديسمبر 2017) تم في مقر الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب في العاصمة التونسية تونس التوقيع على مذكرة تفاهم بين الأمانة العامة لمجلس التعاون والأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب لتنسيق الجهود وتعزيز التعاون بين الجانبين وخاصة في مجال مكافحة الارهاب والجرائم المنظمة. وأعتقد ان هناك ثلاثة أمور رئيسية تستوجب ضرورة التنسيق بين الجانبين في الوقت الراهن: الامر الاول انه بعد الاحداث العربية التي انطلقت عام 2011 والفوضى والدمار الذي عم المنطقة العربية، ساهمت في انتشار مخيف للجماعات الارهابية وتنقل بؤر تمركزها في الاراضي العربية. فبناء على مؤشرات الإرهاب العالمي لعام (2012 - 2016) الذي يصدره معهد الاقتصاد والسلام، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة وأستراليا، ان خمس دول في منطقة الشرق الاوسط اصبحت تأخذ نصيب الاسد من عدد الهجمات الإرهابية وهي العراق، سوريا، اليمن، الصومال، ليبيا. وبالتالي فطالما ان هذه الدول التي شهدت الاحتجاجات لم تصل الى الاستقرار السياسي الامني وتعمل على تأمين حدودها، فإن هذا الوضع سوف يتحول من مجرد تهديد محتمل على دول الخليج ليصبح خطرا حقيقيا وواقعيا. الامر الثاني ان البداية الفعلية للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب -الذي تشكل الدول العربية معظم اعضائه-، وذلك بعد أول اجتماعاته الذي استضافته الرياض في (26 نوفمبر 2017)، أكدت الدول عزمها على تنسيق الجهود الرامية للتصدي للإرهاب من خلال العمل الجماعي المنظم. وعليه تكثيف التعاون بين الجانبين سوف يكون رافدا مهما وقويا لعمليات التحالف للتصدي لمثل هذه التداعيات الخطيرة. الامر الثالث توسع الإرهاب في القارة الإفريقية خاصة منطقة الساحل الإفريقي واهتمام دول المجلس بدعم الامن والاستقرار في القارة السوداء. حيث تستعد العاصمة السعودية الرياض لعقد قمة سعودية أفريقية مشتركة نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل. كما قامت كل من السعودية والامارات بالدعم بمبلغ 130 مليون يورو للمساهمة في إطلاق القوة الجديدة المشتركة لمكافحة الإرهاب في دول الساحل. فزيادة التنسيق بين الجانبين مجلس التعاون ووزراء الداخلية العرب خاصة من خلال تكثيف التعاون مع دول شمال افريقيا ومصر والسودان سوف يسهم بلا شك في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل التي يتسلل عبر حدودها عناصر متطرفة يمكن ان ينعكس بشكل مباشر على امن واستقرار دول الخليج والدول العربية الاخرى.
وأخيرا في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات خطيرة تهدد امن واستقرار الدول، اصبح من الضروري تعميق كل اشكال التنسيق والتعاون الامني بين كافة الدول والمنظمات الدولية والاقليمية وعلى رأسها تعزيز الجهود المشتركة بين مجلس التعاون ومجلس وزراء الداخلية العرب من اجل توفير البيئة الآمنة والمستقرة لدول المنطقة ومواطنيها.