العلماني العربي يطرح نفسه متحرراً من الالتزامات الدينية، والقومي العربي يطرح نفسه علمانياً تراثياً، والجهوي العربي يدبج الوطنيات والخلود للجغرافيا، والأخوي المسلم يتحدث عن أن الإسلام «هو الحل» ويقدم طروحات وتنظيرات، والديمقراطي العربي يقدم تنظيراته في الحرية والإخاء الإنساني والعدل للكل والحرية للجميع. وكل هؤلاء متناقضون ومتضادون ومتحاربون فكرياً، لكن تجمعهم رابطة واحدة تبدو لا انفصام لها، وهي الوله بحزب بنظام ديني كهنوتي رجعي مستبد يؤمن بالخرافات، هو نظام مرشد إيران وأذرعته مثل حزب الله والحوثيين وميليشياته الأخرى.
وهذه ظاهرة خارقة للعادة، إذ نعرف أن بضاعة العلماني هي كره أي طرح ديني، وبضاعة الأخوي، أنه ضد الخرافيات، والقومي ضد أي عرقية أخرى تسعى لإذلال قوميته، والجهوي يذود عن بلاده ويتغنى بجبالها وأوديتها وأشجارها، والديمقراطي يقضي نحبه وهو يحارب الأنظمة المستبدة، لكن كل هؤلاء يتخلون عن إيماناتهم وشعاراتهم ويهيمون بحزب الله ونظام الملالي، مع أن الملالي ليسوا دينيين فحسب، بل طائفيون صفويون أيضاً ويروجون لخرافات، وحلول تنجيمية غريبة حتى في إدارة الدولة والعلاقات الدولية. ومع ذلك رضي بهم علمانيون عرب ملهمون. ونظام المرشد مستبد وكل كياناته وميليشياته تسيرها الغيبيات وأحلام المنامات، لكن ديمقراطيين عرباً يتوجونه أيقونة التاريخ ومنتهى آمال الخلاص.
الحقيقة هذه الظاهرة الخارقة للعادة، لم يحدثها المنطق لأنها ضد المنطق، ولم تحدثها أية أيديولوجيا لأنها تجمع غريب لأيديولوجيات، لكن الظاهرة تفصح عن نفسها في كل المنصات الفكرية وشبكات التواصل الاجتماعي والصحف وحتى الفضائيات، ولم يحدثها سوى «المرض»، فهي ظاهرة مرضية مجنونة في الأساس، وسببها أن كل هؤلاء يكرهون بعضهم، لكن كره المملكة جعلهم يمضغون الجمر ويتحالفون مع نظام كهنوتي يخجلون حتى في الحديث عن فلسفاته الفكرية الرجعية التي تتخذ شرعيتها أحياناً من المنامات، لكنهم «يتقون» ويحاولون تغطية سوءاته وأنفسهم المريضة بادعاء أن نظام إيران ضد الصهيونية ويحارب من أجل فلسطين. وهذه هي اللعبة التي تكشف أنهم سذج وأن نظام الملالي يمارس الضحك عليهم والتلاعب بمشاعرهم ويستغل ضحالتهم الفكرية، لأن النظام (وميليشياته) لم يقدم على أي عمل لتحرير فلسطين منذ 38 عاماً، إلا في الإعلام والفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي، كي يجند مثل هؤلاء السذج البائسين. والدليل أن حسن نصرالله الذي دوخ الناس وهو يصرخ في الفضائيات لسنين و«يتفلت» من أجل خوض معركة فلسطين والقدس، حينما أصبح أمام الأمر الواقع، طالب بأن تكون الحرب ساخنة و«وطيساً» على «تويتر» و»فيسبوك». حتى بعد أن انكشف نصرالله وحزبه، لم ينفك هؤلاء من الوله به ومدحه، لماذا؟ لأنه فقط، يحارب السعودية، لهذا هم له محبون وفداء له أن يهينهم ويستغفلهم. وبهذا تذوب العلمانية والجهوية والديمقراطية والحرية والقومية والأخوية، لتصبح مزيجاً سمياً، ينتج المزيد من الأمراض والفوبيا والجنون.
ويغيظهم أن حقائق التاريخ تسجل أن كل من كره المملكة، فهو يعاني من مرض ما، لأن كل أعدائها، قد فشلوا وخسروا وذهبوا مع الرياح، وكانوا غباراً وزبداً يذهب جفاء لأن بضاعتهم الكره والترويج لأمراض نفسية ولواعج سموم.
■ وتر
يا لهذه الأمة..
متى يتقاعد السماسرة..
ومروجو الكره والسموم؟
ويتحرر الساذجون..؟
كي لا تصبح الأوطان سوق مبايع..
والدموع نخب أوهام.. ومنامات..