من الواضح جدا، ومن خلال قراءة الأرقام الأولية لميزانية الدولة لعام 2018، التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أثناء ترؤسه -أيده الله- مجلس الوزراء مساء أمس، أنها ميزانية مختلفة من حيث الملامح والمعايير والضوابط، ذلك لأنها جاءتْ لتترجم معطيات رؤية السعودية 2030 بشكل عملي بعد أن أكملتْ الدولة تجهيز آلياتها المالية والاقتصادية، وأغلقتْ مصادر الفساد، وحددتْ اتجاهات الاستثمار طويل المدى، وصولا إلى كفاءة الإنفاق التي تأخذ على عاتقها مبدأ الشفافية، وتؤمّنُ للوطن بالمحصلة اقتصادا متينا يقوم على تنويع مصادر الدخل، واستثمار كافة المقومات المتاحة في تنميته مع تطوير الموارد البشرية وتنميتها وتأهيلها، حيث اعتمدت الآلية التي انتهجتها ميزانية هذا العام مبدأ المساهمة الفاعلة والمطلوبة لتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وتحسين جودة ودقة وشفافية الحسابات المالية، وتنفيذ الإصلاحات التي اتخذتها الدولة، والتي خفضت العجز إلى ما يقارب 8.9% في العام الجاري 2017م، والاستمرار في تنويع مصادر الدخل، حيث تم إقرار 12 برنامجا لتحقيق أهداف الرؤية، مع تخفيف الأعباء على المواطن عبر حساب المواطن، كما أوضح خادم الحرمين الشريفين نجاح برامج الاعتماد على النفس بنسبة 50%، مع استمرار الصناديق التنموية في الإنفاق الاستثماري وبزيادة كبيرة عن السنوات السابقة، ودعم قطاعات التنمية كقطاع الإسكان، هذا إلى جانب انخفاض مستوى العجز نتيجة السياسات الاقتصادية المعمول بها، وقد بلغت إيرادات الميزانية الجديدة 783 مليار ريال، فيما يقدر حجم المصروفات بـ978 مليار ريال أي بعجز يقدر بـ195 مليار ريال.
وقد وجه خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- الوزراء والمسؤولين للعمل على تطوير الخدمات الحكومية لكل ما من شأنه تحقيق الرخاء للمواطنين في كافة المناطق، وقال في سياق كلمته التي استهل بها جلسة الموازنة في مجلس الوزراء يوم أمس:
«لقد وضعتُ نصب عيني التنمية الشاملة المتوازنة.. لا فرق في ذلك بين منطقة وأخرى».
أيضا من الملاحظ أن الميزانية الجديدة لم تتضمن أي رسوم أو ضرائب جديدة، وإنما اكتفتْ فقط بتطبيق بنود الإصلاحات المخطط لها في برنامج التوازن المالي 2020م، مع ترجمة ما جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في مجلس الشورى مؤخرا، حول دعم فعاليات القطاع الخاص والتوسع في الإنفاق في التنمية والاستثمار في المشاريع الرأسمالية وبما يسهم في رفع كفاءة الإنتاج، وبالتالي رفع مستوى المعيشة للمواطن السعودي، وتحصين مستقبل الوطن الاقتصادي بعد اكتمال خطة التحرر من أحادية الدخل إلى تلك المساحات الاقتصادية الأرحب التي أسستْ لها الرؤية، وبدأتْ ملامحها في التبلور عبر عدد من المشاريع الكبرى التي تبنتها الدولة، وشرعتْ في تنفيذها.
كما تميزتْ ميزانية هذا العام بوضوح الرؤية فيما يتصل بالخطوات التي تريد بلوغها في سياق برنامج التوازن المالي الذي بات في متناول اليد بعدما قطعتْ الخطط الاقتصادية شوطا كبيرا في تهيئة البيئة اللازمة لها، حيث أدّى ضبط الإنفاق، وخطط وآليات حماية المال العام التي اتخذتها الدولة بحربها على الفساد، والقضاء على الهدر، أدّى كل هذا إلى تحسن البيئة الاستثمارية في البلاد، وارتفاع معدلات طلبات الاستثمار الأجنبي، والتي أدركتْ أنها أمام سوق مثالية ستكون بعد اكتمال برامجها واحدة من أبرز وأميز الأسواق الواعدة دوليا.
لقد وضع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، عرّاب رؤية السعودية 2030، وضعا البلد على مسار التوازن الاقتصادي الصحيح، والذي بدأتْ انعكاساته الإيجابية تؤتي أكلها تباعا، وبشكل سريع، ذلك لأن القيادة تمكنتْ عبر حزمة من الإصلاحات أن تجهّز الأرضية الملائمة لتأسيس قاعدة اقتصادية متماسكة ونامية، وقادرة على مزاحمة أقوى الاقتصادات العالمية، وتوليد فرص العمل والوظائف. وهاهو قائد الوطن، وزعيم البلاد الاستثنائي يعلن لوطنه ولأبنائه وللعالم وعبر هذه الميزانية المثالية التي تؤكد متانة اقتصاد بلادنا أننا دخلنا عمليا مرحلة المنافسة الاقتصادية على المستوى الدولي على مختلف الأصعدة، بعيدا عن الاقتصاد الريعي القائم على الاستثمار في المواد الخام، فليس لنا مكان على هذا الكوكب إلا في صفوف العالم الأول، بعدما وفق الله هذا الوطن بقيادة نابهة نأتْ به عن حرائق النزاعات بسياساتها الواضحة والعادلة، وبعدما صرفتْ جهدها واهتمامها لتصويب اقتصاد الوطن، ووضعه على المسار الصحيح لتنجز للوطن والمواطن هذه الأرقام والملامح والمعايير التي تبشر بالكثير الكثير من المواعيد الوطنية المشرقة.
أخيرا.. هانحن أمام ميزانية كفاءة الإنفاق، فالمجد للوطن ولقيادته الحكيمة والتهنئة لشعبه الأبيّ بهذا المنجز الإستراتيجي.