في سنوات مضت كانت إذاعة (بي بي سي) الإذاعة الوحيدة الصادقة لدى كل مستمع عربي. وفي سنوات لاحقة دخلت أسماء صحف وتليفزيونات دولية، من نيويورك إلى باريس، على خط هذه المصداقية باعتبارها مهنية أو محايدة، إلى أن اكتشفنا فجأة أن حظ هذه الوسائل من الحياد والمصداقية مثل حظ أي صحيفة أو تليفزيون حكومي في دولة من دول العالم الثالث. في الأسابيع الماضية حدث أكثر من مثال على كذب هذه الوسائل وتحميلها بعض الأخبار أكثر مما تحتمل. ودائماً، أي من قبل ومن بعد، كانت دولة أو مجموعة دول عربية بعينها هدفاً لصحف وتليفزيونات أمريكية أو أوروبية بحسب ترمومتر السياسة والمصالح في المنطقة.
المملكة، بطبيعة الحال، كان وما زال لها النصيب الأوفر من الأخبار الإقليمية والدولية الباعثة على التحريض والفتنة، باعتبار أن الحرب ضدها هي حرب إعلام بالدرجة الأولى. وإذا كنا لا نستغرب ما تبثه قناة الجزيرة أو صحيفة العرب القطرية أو كيهان الإيرانية والديار اللبنانية، فإننا نستغرب فعلاً أن تقع صحف مثل «نيويورك تايمز» أو «وول ستريت جورنال» في مطبات النقل الإخباري الفاقد لعنصري الصحة والتثبت وكأنها تدار بنفس العقلية التي تدار بها دكاكين إيران وقطر.
حين تنقل صحيفة دولية مرموقة خبراً مصدره حساب وهمي على «تويتر» فإن هذا يعني أن كل أدلتها للموثوقية والمصداقية أصبحت هباء؛ ويعني، من بين ما يعني، أن كل تلك الدروس التي قدمتها عن المهنية لا تمت إلى واقعها بصلة، خاصة حين تكذب أو تخطئ في نقل خبر ما ولا تعتذر، أو تحتال على صيغة الاعتذار بطرق أخرى تحافظ بها على ماء وجهها. وهذا حدث في كثير من أخبار حوادث الإرهاب في مصر حين نقلت بعض وكالات الأنباء الدولية أرقاماً عن أعداد الضحايا كذبتها الأخبار الرسمية الصحيحة.
هناك الآن، على المستوى الدولي، واقع إعلامي جديد تتساوى فيه كل الوسائل، دولية أو إقليمية أو محلية، وهو أن المصداقية أصبحت من المستحيلات مثل العنقاء والخل الوفي. والقارئ أو المشاهد، في النهاية، لا يثق بمن يكذب عليه مرة لأنه يمكن أن يكذب عليه، من أجل مصلحته أو مصلحة من يدفع له، ألف مرة.!!