ضاعت القدس وكذلك القضية الفلسطينية، ليس بسبب عبقرية العدو وليس بسبب علاقات إسرائيل الحميمة مع القوى العظمى، تلك أسباب ثانوية، والسبب الأول هو أن الفلسطينيين، مع الأسف، اجتهدوا في تحويل القضية إلى «سلعة تداول» نشطة في سمسرة المزايدات الفلسطينية الفلسطينية (حزبياً وأيديولوجياً ومحاور)، ثم المزايدات الحزبية العربية العربية، ثم أصبحت القضية لعبة عبثية خطابية ترفيهية، من عبدالناصر الذي كان ينوي رمي إسرائيل في البحر، إلى صدام حسين الذي احتل الكويت ونصب مشانقه للعراقيين باسم تحرير فلسطين، إلى حزب الله الذي يرفع شعار تحرير فلسطين، وميليشياته تنشط وتفجر في ثمانية بلدان عربية، ليس بينها فلسطين، حتى أردوغان الذي يحقق مكاسب مالية وحزبية على ظهور الفلسطينيين، وهو يلتزم بـ«علاقات استراتيجية» بين تركيا وإسرائيل، تفوق أي علاقات استراتيجية إسرائيلية مع أغلب الدول الغربية. والغريب أن كثيراً من الفلسطينيين «المخدرين»، يهيمون بالعابثين الذين يستخدمون القضية الفلسطينية في المزايدات والخطابات الصوتية.
ونفس الفيروس الفلسطيني، وهو ديناميت متنقل، أصاب السوريين المعارضين، حينما أصبحوا فصائل تتبع لدول تتضارب وتتنافس حتى على ترتيب الجلوس في المقاعد، ثم ضاعت القضية السورية، وأصبحت المعارضة تستجدي المبعوث الأممي دي ميستوراً، بعد أن نجحت تركيا في إخراج الدول العربية من القضية السورية، وانضمت إلى حلف الاحتلال الإيراني لسوريا.
وأصاب ذات الفيروس اليمنيين، حتى قامت بينهم حرب ضروس، وتدخل التحالف العربي بقيادة المملكة لمهاجمة الفيروس وإنقاذ اليمن، ويجري التعافي بصورة مناسبة، لكن التخلص النهائي من الحوثيين وسلاحهم وارتباطاتهم الخارجية يحتاج إلى المزيد من الوقت حتى يقتنع الحوثيون أنهم مصابون بفيروس لعين، ويخوضون معركة خسارة، وأن تقديم اليمن هدية لإيران، وجعلها خنجراً في خاصرة المملكة، فكرة بائسة وخاسرة ومجنونة لا يستوعبها إلا فكر أيديولوجي مغلق على أحلام منامات وطاوباويات خرافية. وأيضاً أصاب الفيروس الليبيين، فتمزقت بلادهم ويبدو أنهم يحاولون الآن أخذ منشطات لإضعاف الفيروس، والتعافي، لكن ذلك يحتاج إلى معجزات يحاول المبعوث الأممي غسان سلامة استجلابها بإجراء غسيل أذهان لليبيين كي يروا الأمل في السلام لا في أفواه البنادق، وهو أمل قريب لأن «العنصر الإيراني» الذي يفاقم الحالات ليس موجوداً في المسألة الليبية. ويبدو أن أعراض الفيروس الآن تظهر على تيار المستقبل في لبنان، فتوجد إشارات أن أعضاء في التيار «يتفلتون» لتصفية حسابات بينهم. وهذا يعني أن فكرة متهورة، و«ديناميتية» شخصية جداً تتلبس بعضهم. ويرسلون رسائل واضحة على أنهم قد يقدمون على هدم المعبد. ولا بد أنهم قد انخدعوا بإشارات تأتيهم من فرق، وربما بلدان، عديدة تمدهم بمعاول الهدم وتنصحهم بالإسراع، كي يعجلوا بـ«الثواب». لكن هذه الفرق (أو البلدان) لا تفعل ذلك هياماً بسواد عيون «المستقبليين» ولا قناعة بعبقرياتهم، وإنما ترمي إلى أن يفكوا، بأي ثمن، ارتباطاتهم الخليجية، ثم تضمهم إلى، مجرد تابعين، واكسسوارات للرعيل المستهلك للخطابيات، هذا إن لم تجهز عليهم بمجرد أن تتأكد أنهم فقدوا الدعائم التي تسندهم. ويبدو أنه يتعين على الحكماء في 14 آذار الإمساك بتلابيب زملائهم ونزع الديناميت المتفجر من أيديهم، قبل أن «يكبروا» باللغة الفارسية أو بالتركية أو بالفرنسية أو بالروسية (وتوابعها).
■■ وتر
من لهذه الباكية، المتوارية خلف الحجب
وتداولات المزايدين.. غير حجرٍ وفيٍّ.. ودموع نار حراقة، تشعل مهجاً غضة وخمائل الرمش..