استنكار المملكة الشديد لقرار الادارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وتحضيرها لنقل سفارتها إليها ينطلق في أساسه من الموقف السعودي الثابت ازاء القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية، وهو موقف معلن شدد عليه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- وبقي ساريا في ظل عهود أشباله الميامين من بعده حتى العهد الحاضر الزاهر تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-. وقد تعزز هذا الموقف الثابت من خلال مشروع المملكة القاضي بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وقد تحول هذا المشروع إلى مشروع عربي حيث تأيد من سائر الدول العربية، وما شهدته القدس ومدن الضفة الغربية من مسيرات وتجمعات احتجاجا على القرار الأمريكي يعكس أهمية العودة إلى المشروع العربي العقلاني وفيه تسوية شاملة وعادلة ودائمة لقضية الشرق الأوسط التي تعد من أعقد القضايا السياسية وأطولها في العالم. ولا شك أن التظاهرات العارمة التي شهدتها معظم عواصم دول الغرب والشرق للتنديد بالقرار المشؤوم اضافة إلى إدانة الأمم المتحدة له تعطيان انطباعا واضحا على أهمية العودة لصوت الحق الذي أعلنته المملكة من خلال مشروعها الحكيم المؤيد بكل الأثقال السياسية العربية والذي مازال يمثل الحل الوحيد للأزمة الفلسطينية العالقة، وهو الحل الذي يعيد للفلسطينيين حقوقهم المشروعة ويضمن سلاما دائما للمنطقة. وليس بخاف من خلال الاستنكار العربي والإسلامي والدولي للقرار الأمريكي المجحف بالحق التاريخي للفلسطينيين في مقدساتهم أن القرار في جوهره لا يمثل إلا صوتا أحاديا سبق المفاوضات التي كانت ترعاها الولايات المتحدة للوصول إلى تسوية للأزمة، ويبدو أن هذه الرعاية ذهبت أدراج الرياح في أعقاب القرار الذي يستشف منه الانحياز الأمريكي الكامل إلى جانب الكيان الاسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة.
ويقول المثل العربي الشهير رب ضارة نافعة، فما حدث في أعقاب صدور القرار من احتجاجات شملت دول العالم بأسرها يؤكد أهمية العودة إلى الصواب وتحكيم لغة العقل والتسريع في مفاوضات لابد من تنظيمها بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي لتسوية الأزمة التي تعقدت دون أدنى شك بعد القرار الأمريكي الأخير، فأهمية تسوية الأزمة أضحت ملحة للغاية وضرورية. اجماع دول العالم على أهمية التسوية العادلة لقضية فلسطين العالقة هو اجماع صائب ويصب في روافد التمسك بالأمن والسلم الدوليين، وبقاء هذه الأزمة عالقة سوف يضع منطقة الشرق الأوسط وكافة مناطق العالم على صفيح ساخن، وسوف يؤدي اطالة أمد الأزمة إلى تصعيد التطرف في كل مكان، وهو أمر له سلبياته الخطيرة على أمن واستقرار وسيادة دول العالم كافة.
وقد أدى القرار الأمريكي الأخير إلى تضامن المجتمعات البشرية في كل مكان مع القضية الفلسطينية العادلة، وقد ارتفعت أصوات الحق عالية في أرجاء المعمورة بأهمية احتواء الظلم واعلاء صوت العقل من خلال العمل على تسوية الأزمة القائمة بشكل نهائي ودائم وشامل يضمن عودة الحقوق المشروعة لشعب فلسطين وينهي الاحتلال ويحفظ للمسلمين مقدساتهم.