شاهدت في أحد التقارير التلفزيونية تقريرا عن امرأة رومانية كبيرة بالسن، تقول إن أشهى وجباتها ولذتها أكل التراب، وبالفعل رافقتها الكاميرات وسجلت كيف تحفر وتأخذ ترابا طريا وطازجا (تاريخ اليوم) من عمق الأرض، ثم تأكل بيمينها، ومؤكد أنها لم تسمِ، ثم تلوك هذا التراب وتبلعه وكأنها أكلت أفخر أنواع الشوكولاتة.
تبدأ الحكاية أننا خلقنا من تراب وحين تكتب آجالنا -والله المستعان- نعود للتراب، ويحثى علينا حثوات منه، وحين يكون البعث نخرج من أجداثنا التراب.
التراب لدينا قصة مظلومة، فهو التراب الحزين، يسخرون منه حين تأتي به العواصف والرياح وينعتونه بنعوت، ويركبون عليه النكت والتعليقات، ويتهكمون عليه بتشبيهه ومقارنته بضباب لندن، دعوا التراب لحاله، واتركوا من يسترزق به في واقعه، وابحثوا عن مادة أخرى تساعدنا على الفرح، وتقدم لنا السكن، ولفظ آخر يمكن أن نشتم به. دعوا التراب لهمه فهو ضاق بنا قبل أن نضيق به، وابتعدوا عن اخوة التراب.
ثم تستمر الحكاية في أن التراب -بعد توفيق الله- هو سبب ثراء كثير من الناس وخصوصا أثرياء ووجهاء التراب، وهم من سيج وحبس مساحات كبيرة من التراب سموها أراضي، وهبت لبعضهم، مما يدل على أن حتى التراب لدينا يمكن أن يوهب، ثم باعها خاما بتراب الفلوس فجاء أغنياء التراب وخططوها بتراب الفلوس، ثم باعوها على الذين ماتوا في حب التراب (طلاب السكنى) فتحول التراب إلى ذهب وأرصدة.
وهناك من جعل تجارته أن يغرف من تراب الوطن هنا وهناك ثم يحمله على شاحنات فيبيع الشحنة بكذا ريالا.
حتى التراب يدخل في تعاملاتنا اللفظية بالذات فحين يغضب أحدهم، أو يستفز، ويثور فأقرب ما يقول ويسبق به لسانه، أكل التراب، فلم يدعوا التراب حتى في تلك الحالة.
وحين يعود المواطن للبلاد من سفر يقال عنه عاد إلى تراب الوطن، وسيبقى التراب يحيطنا بحكاياته.