إعلان الرئيس الأمريكي الاعتراف رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل والأمر بالتحضير لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس يشكل في حقيقته استفزازا لمشاعر المسلمين من جانب، ويشكل في ذات الوقت تقويضا للعملية السلمية في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة شريك كامل في هذه العملية، وبهذا الاعلان فان القضية الفلسطينية دخلت في نفق مظلم بفعل انحياز واشنطن للكيان المحتل.
وردود الفعل على الاعلان من كافة الدول العربية والاسلامية اتسمت بالغضب الشديد، فالاعلان يلحق أفدح الأضرار بمقدسات المسلمين، ومهما كانت ذرائع الاعتراف كالوفاء بالوعد الذي قطعه الرئيس الأمريكي لاسرائيل فان ذلك لا يبرر هذا الاعتراف المجحف بحق الدولة الفلسطينية، ولا يساعد على التوصل الى اتفاق سلام عادل وشامل ودائم بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
وقد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أثناء تلقيه اتصالا هاتفيا من الرئيس الأمريكي أن الاعلان بشأن وضع القدس يسبق الوصول الى تسوية نهائية، وسوف يلحق الضرر بمفاوضات السلام بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ويزيد التوتر بالمنطقة، وهو تأكيد يتضح منه أن المملكة كانت ولا تزال داعمة للشعب الفلسطيني وداعمة لحقوقه التاريخية.
الخطوة الأمريكية في واقع أمرها خطوة خطيرة لاستفزاز مشاعر المسلمين أينما وجدوا نظرا لمكانة القدس العظيمة والمسجد الأقصى، وهو القبلة الأولى للمسلمين في قلوب وعقول ونفوس كافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فالغضب العارم سوف يتصاعد جراء هذه الخطوة فالقدس خط أحمر كان يجب عدم الاقتراب منه الا بعد الانتهاء من التسوية الشاملة بين الطرفين، فالاعلان الأمريكي يعد مصادرة واضحة للحق التاريخي للشعب الفلسطيني في القدس.
الإعلان سيواجه بغضب إسلامي كبير ويفتح تداعيات خطيرة ومؤثرة على التوجه نحو السلام في المنطقة، وموقف المملكة تجاه القضية الفلسطينية ثابت ومعلن منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ويتمحور في دعم ومساندة هذه القضية المركزية، وقد نجحت المملكة في كل محفل دولي بالتركيز على هذا الموقف وتبيان أهميته رافضة كل المساومات بشأن فلسطين، والتحرك العربي والاسلامي الشامل مطلوب في ظل هذه الظروف، فالقرار الأمريكي يقوض كل الفرص السانحة لاحلال السلام في المنطقة ويدخل الأزمة في نفق مظلم.
ولا بد أن تراجع الادارة الأمريكية ما أقدمت عليه من خطأ فادح بحق الأمتين العربية والاسلامية، فالاعلان لا يشكل انحيازا واضحا نحو الكيان الاسرائيلي فحسب، ولكنه يشكل استفزازا لمشاعر المسلمين واستهانة بحقهم التاريخي في مقدساتهم، وإزاء ذلك فان الأمر خطير للغاية وسوف يفرز سلبيات متعددة لعل على رأسها افشال العملية السلمية في المنطقة، وإشعال بؤر ساخنة في كثير من أصقاع العالم وهو أمر يشكل خطرا داهما على الأمن والسلم الدوليين، ويلحق أفدح الأضرار بهما.