«لا نوم منظم، ولا أكل منظم، ولا أعرف ليلي من نهاري، ولا صديق يستحق، ويقابلني واحد يقول: ممكن نتعرف؟! اتركني أتعرف على حياتي أول!».
أعتقد أن هذه الطرفة تعبّر عن حال الكثير منا، خصوصاً الشباب الذين هم في بداية حياتهم ويسعون لرسم مستقبلهم، فهناك الكثير لا يعرفون أنفسهم حقيقة، ولو عرفوها حق المعرفة لما رضوا لها بالمكان الذي ألقوها فيه.
الفاشل لا يعرف نفسه حقيقة، ومن يخسر من حوله لا يعرف نفسه حقيقة، ومن يكتف بإلقاء اللوم على الآخرين لا يعرف نفسه حقيقة، ومن يرض لنفسه بالتردي في الأوحال لا يعرف نفسه حتى ولو ادعى غير ذلك.
وحتى يعرف الإنسان نفسه تمام المعرفة، يحتاج أن يخلو بهذه النفس أولاً، ويحادثها ليعرف من هي؟!، فالمشاهد أن الخلوة بالنفس والتأمل الصادق بالحال تكاد تختفي، فمتى يجد الإنسان الفرصة ليحادث نفسه والجوال بيده من الاستيقاظ وحتى المنام؟!
وحتى يعرفها حقيقة يحتاج أن يحلل وضعها من خلال الوسائل الصحيحة سواء بالمصارحة مع النفس أو باستشارة من يستحق الاستشارة أو بالاستفادة من الأساليب والمقاييس العلمية الحديثة أو بما يراه مناسباً، فيعرف ما حباه الله به من ميزات ليفعّلها، وما يعتريه -كحال البشر- من جوانب ضعف ليعمل على معالجتها، والفرص المتاحة أمامه ليستفيد منها، والتحديات التي تواجهه، ولا بد من التحديات، لتكون دافعاً له نحو التميز بالانتصار عليها.
وحتى يعرف الإنسان نفسه يحتاج أن ينتبه لوضع رفاقه، فكثير من الرفاق يجهلون الإنسان بحقيقته، سواء بالخطاب السلبي الذي يتفننون فيه، أو بسحبه للأسفل كلما أراد الرقي للأعلى.
إذا نجح الإنسان في التعرف على نفسه، عاش كما هو فنجح، واختار المسار المناسب له في الحياة، سواء في الدراسة ومن ثمّ الوظيفة والمشروع، وبالتالي عاش في سعادة وعطاء، وكلما التقت هذه الثلاثة كان ذلك أفضل وأجمل.
نحتاج فعلاً أن نسأل أنفسنا: هل نحن نعرف أنفسنا حقيقة؟! ففيما يروى عن نبي الله عيسى عليه السلام قوله: ماذا يكسب الإنسان إذا فاز بكل شيء وخسر نفسه؟!