أيام معدودات تفصل بين تحقيق شبكة «سي إن إن» الأمريكية عن ظاهرة الرق والإتجار بالبشر الجارية على قدم وساق في ليبيا، وبين مجزرة الجمعة التي ارتكبها إرهابيون في مسجد قرية الروضة في شمال سيناء. ثمة رابط قوي بينهما رغم ما يبدو من اختلاف وغياب أي نوع من الصلات بينهما. يتمثل هذا الرابط في احتقار الإنسان. ففي حالة استرقاق واستعباد البشر في ليبيا يتجلى الاحتقار بأبشع صوره في تجريد الإنسان من إنسانيته بتحويله إلى سلعة تباع وتشترى، تُعْرَضُ على أرضية المزاد في مدى بصر المتفحصين من المشترين المحتملين. فمن خاب أمله من الأفارقة في اجتيار «الممر المتوسط» إلى أوروبا، يجد نفسه أمام نوع آخر من الفقد. فبعد فقد فرص الحياة الكريمة الذي اضطره إلى المغامرة والمقامرة بروحه في محاولة الهروب إلى أوروبا، يجد نفسه في مواجهة فقد حريته وكرامته وإنسانيته في ليببا. واحتقار الإنسان هو أيضا أساس وباعث قتل المصلين في مسجد الروضة، وقتل غيرهم من قبل ومن بعد، فلن يكون ما حدث في مسجد الروضة الأخير من نوعه. ما معنى أن يحاصر عدد من المسلحين بيتا من بيوت الله ليرشقوا المصلين بوابل من الرصاص، إن لم يكن دافعهم الأول احتقارهم، واعتبارهم لا يستحقون الحياة.
في ليبيا تهدر حرية وكرامة الإنسان وفي مسجد الروضة أهدر دمه وأزهقت روحه، وسيستمر الهدر بنوعيه في المنطقة العربية. لست متفائلا بتوقف هدر الكرامة وهدر الدم في هذه المنطقة، فليس هنالك ما يدعو إلى التفاؤل. وسيبقى هذا أبرز ما يميزها عن سائر المناطق الأخرى في العالم، وستظل تشكل حقلا يانعا من الفرص الذهبية لإعلام الغرب لملء ساعات بثه وصفحات صحفه ومجلاته الورقية والإلكترونية بتقارير ومقالات عن نتائج تحقيقاته الاستقصائية وتغطياته لظواهر العنف والتوحش وهدر الإنسان.
لم تلتفت قناة من القنوات العربية التي يزدحم بها الفضاء وتتكاثر كالفطر إلى أسواق النخاسة في ليبيا، فلديها ما يشغلها ويملأ ساعات بثها عن الخلافات العربية التي لا تنتهي.
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، إنها التفتت إلى مجزرة مسجد الروضة!.