يبدو ان مدينة سوتشي الروسية أصبحت المكان المفضل للرئيس فلاديمير بوتين للقاء ضيوفه الرسميين، من آخر اللقاءات في الاسبوع الماضي استقبال رئيس النظام في سوريا بشار الأسد، اللقاء هذا هو الثاني، منذ انطلاق الثورة السورية، وقيل ان بشار جاء من دمشق في طائرة شحن عسكرية من نوع اليوشن المشهورة، في المرتين، والغريب في المرة الاخيرة انه تحدث عن ضرورة ان يضمن له الروس عدم تدخل أحد في سوريا! هذه المرة كشف الاعلام الروسي عن أمرين، الاول: ان حديث الرئيس الروسي تركز حول الدور الذي قامت به قواته العسكرية بثبيت النظام وهو ما كان بالتأكيد على حساب ارواح السوريين، وضد رغبة الغالبية العظمى منهم. الروس دائما يقولون ان وجودهم في سوريا بناء على طلب السلطة الشرعية، ومثلهم ايران، وكل الميليشيات الطائفية التي تعبث بأمن سوريا والمنطقة تردد ان وجودها شرعي على الطريقة الدموية للنظام أي «شرعية فاسدة». اما الامر الآخر: فكان جانبا لعبت فيه الحركة، والصورة الدور الاكبر حيث لاحظ مراقبون ان تصرف بوتين اثناء إلقاء الكلمات وأثناء العناق وفي الحقيقة كان هناك عناق بين الرجلين أظهرت بعض الصور ظهر بشار ووجه بوتين يبرز من منطقة الكتف والرقبة لبشار، وكانت التعابير على وجه بوتين كأنها تقول: أخبرتك بما يجب عليك فعله، وزيارة الأربع ساعات انتهت وعليك ان تستقل طائرة الشحن التي جاءت بك لتعود الى بيتك في سوريا.
الاعلام الروسي ايضا تحدث عن لوحة زيتية قدمت لبوتين كهدية تذكارية، ولعل هذه اللوحة تكون لوحة اللقاء الاخير التي تذكرنا باللوحة التاريخية الاكثر شهرة التي أنجزها الرسام الايطالي ليوناردو دافنشي عام ١٤٩٥م ولها قصة عجيبة، ورمزية اخلاقية اعجب، ودلالة يمكن ان تكون سياسية بامتياز تمثلت في ان هذه اللوحة المسماة بلوحة «العشاء الاخير» والتي جسدت لحظة اعلان السيد المسيح لتلاميذه الاثني عشر اكتشافه لخيانة احدهم. اللوحة كانت لحظة مصارحة، ووداع وربما زيارة بشار هذه تكون إحدى علامات النهاية لمرحلة حتى وإن نجح الروس في تعويم بشار لفترة أطول قليلا، وقبلت الأطراف الدولية، والاقليمية بذلك كمخرج اجباري لإطفاء بؤرة اللهب في سوريا وللإسراع في استعادة عافية المنطقة وسلامها، والتخلص تدريجيا من آفة الارهاب فيها، فبكل تأكيد تبقى جهود الدول الاقليمية والعربية منها على وجه الخصوص حاضنة تقليدية للعمل السياسي العربي، وحاضنة طبيعية لآمال الناس في سوريا بمختلف انتماءاتهم، وتوجهاتهم. ينطبق تماما على ما أقول الرعاية السعودية لمؤتمر الرياض الثاني والذي تلتقي فيه فصائل الثورة السورية السياسية والفاعلة، والمستقلة، برعاية سعودية مباشرة، وترحيب عربي، وقبول اقليمي، ومباركة دولية، لتقوية هذا الجسم الذي ظل طوال الفترة الماضية الطرف الأضعف في معادلة الصراع، والخصومة السورية.
البعض يتحدث عن تبدل في المواقف، أو تقديم تنازلات، ولا يريد أن يرى أن قطارا يبدو أنه بدأ يتحرك باتجاه السلام في سوريا، والمنطقة.