مع هطول الأمطار الموسمية تحدث مفارقة عجيبة تتجدد كل عام وفي كل مرة تشهد فيها مدن المملكة هطولاً للأمطار، وما ان تغرق مدينة من مدن المملكة حتى يبرز نموذج مدينة الجبيل الصناعية، تلك المدينة السعودية التي انشئت وخُططت بإشراف ومتابعة كفاءات وطنية، حرصت على تنفيذ مشاريع بنيتها التحتية بأجود المواصفات ووفق أحدث المقاييس العالمية.
ما ان هطلت الأمطار وحطت السيول بحيراتها في عدد من المدن حتى كشفت عن «رداءة» بعض البنى التحتية والإهمال الذي يصيب عمليات الصيانة، فالأمطار التي تشهدها بعض مدن المملكة هذه الأيام تسببت في غرق بعض المدن وهو ما دعا الكثير من الناس إلى أن يصبّوا جام غضبهم على المسؤولين في بعض الوزارات الخدمية التي لها علاقة بتخطيط المدن وتصريف مياه الأمطار.
بلادنا تخسر مئات الملايين يوميا بسبب غرق المدن وتجمع مياه الأمطار والشلل الذي يحدث جراء تلك الأمطار التي كشفت عن «فساد» سواء في عدم الإشراف على المشاريع أو سوء التخطيط أو عدم وجود صيانة مطلقا. وفي اعتقادي أن المشكلة الحقيقية إجمالاً هي فنية، وغالبية المشاكل هندسية وفنية، وعلى الجهات المعنية إصلاح الخلل في بعض الأنفاق ومداخل الجسور بأسرع وقت لسبب واحد وهو أن بعض المناطق طاقتها محدودة على صعيد شبكات الصرف الصحي، بالإضافة إلى مدن أخرى لم تكتمل فيها البنية التحتية.
غالباً ما نقرأ تصريحات لمسؤولين بالاستعداد المبكر لتلافي غرق المدن وخطر السيول وتجمع مياه الأمطار، وفي تصوري أن من أسباب تلك المشكلة غياب الدراسة المتكاملة والمناسبة لـ«مناسيب الميول» في الشوارع والتي عادة ما تكون لها معايير عالمية، وكذلك غياب التصميم والتفكير في المشاريع بصورة تفصيلية، بحيث يتم إرساء المشاريع مثل بناء الأنفاق والجسور والطرق للمقاول الذي يستطيع أن يقدم للدولة تفاصيل هندسية مناسبة ومن ثم اختيار المقاول القادر على تنفيذ المشاريع على أكمل وجه ودون تقصير ولديه القدرة الفنية وعدم إسناد المشاريع لمقاولين هم في الأصل لديهم مشاريع كبيرة، فيقومون بإعطائها لمقاولين صغار بالباطن دون مراقبة ولا متابعة من قبل المسؤولين فتحدث الكوارث، وأعتقد أن الأهم بعد ذلك هو الإشراف على التنفيذ واستلام المشروع من قبل مهندسين لهم خبرات طويلة، خصوصا أن غالبية المشاريع في هذا الصعيد بالمليارات، حتى نضمن استلام مشاريع عليها ضمانة لسنوات طويلة ولا تنهار من رشة مطر ثم يُعاد إصلاحها مرةً أُخرى بميزانية أُخرى، وهذا هدر للمال العام.