هنالك فيديو يتم تداوله لنادلة أمريكية تعمل في أحد المطاعم اسمها سارة، تبدأ قصة سارة عندما دخلت إلى المطعم الذي تعمل فيه سيدتان مسنتان قد عضهما الجوع، وطلبتا منها أرخص طبق موجود؛ لأنه لا يتوفر معهما إلا القليل من المال، فأشفقت عليهما، وقدمت لهما وجبة طعام معتبرة، وبعدما طلبتا الفاتورة، تفاجأتا بأن النادلة قد دفعت قيمة الطعام من حسابها. زميلتها التي شاهدت الموقف لامتها كثيرا، وعنفتها، خاصة وأنها تعرف أنها كانت تدخر من أجل شراء شاشة تليفزيونية لأطفالها.
بعد وقتٍ وجيز فوجئت سارة باتصال من والدتها التي كانت تقيم في ولاية أخرى، حيث بادرتها بالسؤال: ما الذي فعلته؟، وظنت سارة أن زميلتها قد سربت قصتها مع السيدتين إلى والدتها، وأنها بالتالي تتلقى اتصال ملامة، لو لم تبادر الوالدة بإخبارها أن الفيسبوك يشتعل بخبر موقفها الشهم، ما دفع شركات أجهزة الكترونية، وشركات سيارات للمبادرة في تثمين شهامتها، لتتدفق عليها التقدمات والهدايا والتبرعات من كل حدب وصوب تقديرا لموقفها الإنساني من السيدتين اللتين يبدو أنهما سارعتا لكتابة القصة فور خروجهما من المطعم على الفيسبوك تقديرا لتلك النادلة التي رأفت بحالهما.
سارة.. وجبة طعام واحدة (دفنت فقرها) كما نقول بالتعبير الشعبي، بعد أن تضافر المجتمع هناك بمؤسساته وشركاته عبر ثقافة المسؤولية الاجتماعية لتعزيز وتثمين قيمة انسانيتها، بما قد يحرض الكثيرين لتكرار حكاية سارة مرات ومرات.
في المقابل.. نحن الذين ندعي حرصنا على استنبات قيم الفضيلة، واروائها، ودعمها، يأتي من بيننا شاب في مقتبل العمر فيتطوع لوجه الله بالتبرع بكليته إلى فتاة لا يعرفها، ولا تمت له بصلة قربى، استجابة لتغريدة استغاثة، ليتبرع بجزء من جسده، وليس مجرد وجبة طعام، ومع هذا فكل ما قدمناه له لا يزيد للأسف عن خبر في زاوية مظلمة من جريدة، أو تعليقات فارغة على تويتر، أو حتى لقاء عابر في آخر نشرة إخبارية وحسب.
وهنا تتضح المسافة ما بين (وجبة) سارة، و(كلية) عبدالعزيز نافع الشمري، بين مجتمع يحتفي بالقيمة هناك ويعززها ويصنع من بطلها أمثولة، ومجتمع هنا لا يُتقن سوى أن يتغنى بها ويكتب لها القصيد وحسب!.