بين مفردة «فساد» العربية ومفردة «FACADE» الإنجليزية تطابق صوتي تام إلى درجة يمكن اعتبارهما «homophones» كلمتين متجانستين صوتيا. فكلاهما تنطق «فَسَادْ». لكن ثمة علاقة أخرى بينهما، علاقة هامة وخطيرة ناشئة عن معنى المفردة الانجليزية، والتي تعني معماريًا واجهة المبنى، كما تعني واجهة زائفة تضفي على المبنى مظهرًا جميلًا أو جديدًا بإخفاء حقيقه قِدَمِهِ وتهالكه. لعل من أكثر أنواعها شيوعًا وسهولةً في الإنشاء الآن ما يعرف بالتكسية أو الكسوة (cladding).
صحيح أن الكسوة تؤدي وظيفة العزل الحراري للمبنى أو لمقاومة الأحوال الجوية، لكن قد يكون الغرض منها في الأساس تزييف الواقع، بإخفاء حقيقة أن المبنى المكسو قديم قد تجاوز أو أوشك على تجاوز عمره الافتراضي واستنفد صلاحيته للسكن الآدمي. فالكسوة توهم الناس بجدته وحداثته فيقبلون على الإقامة فيه بينما لا يعدو كونه قنبلة موقوتة قد تنفجر انهيارًا، فإنهم عندما يستأجرون شققا فيه فإنما يستأجرون قبورًا جماعية أُسرية.
إذاً لا تخلو التكسية من فساد قوامه التزييف والخداع، وهذا يستوجب الالتفات إليها وتقنينها وضبطها بشروط صارمة.
وأعود إلى «فساد» العربية وشبيهتها الصوتية الإنجليزية «فَسَادْ/facade»، والعلاقة الأخرى بينهما وهي احتياج الفساد إلى الواجهة الزائفة لحماية نفسه من الانفضاح ولضمان استمراره في النمو. فعندما يتخذ الفساد شكل الثراء غير المشروع لا بد له من واجهة، قناع يخفي عن الأنظار أصله وحقيقته. وهذا أمر تحقيقه سهلا لأسباب منها أن المال يجيد إخفاء مصادره ويوفر العوامل التي تجعل ذلك ممكنًا وبيسر. فالمال يشتري الصيت والألقاب التي يعلي شأنها المجتمع. فهناك الثري المُحسن المتصدق ذو الأيادي الندية، وهو المدعوم خصوصا من جوقات المطبلين
كل هذه العوامل وربما هنالك أخرى تشكل الواجهة (فَسَادْ/facade ) التي يتخفى وراءها الفساد. وللفساد أنواع ليس الثراء غير المشروع سوى واحد منها. وبتعدده تتعدد الواجهات.