القصة أرويها لكم، هي قصة حكاها لي صديق، رجل الأعمال الناجح.
صديقي هذا ولد بحواسه مكتملة ثم أصابه مرضٌ وفقد سمعه. وأحكي لكم قصة الصديق هذا لأنه يصر على أن تـُكتب وتقرأ، ليس لشهرة يبتغيها فهو ليس بحاجة إليها، ولكن كعبرةٍ عملية للجميع.
يقول إنه كان له ابن عم مثقف وأصم من طفولته الباكرة، ورغم ثقافته وذكائه كان يحمل نظرة داكنة لمجتمعه المحيط ويعد نفسه معاقًا. زار ابن العم الأصم صديقي بعد أن وقعت له الإعاقة السمعية ودس في جيبه ورقة.
لما قرأ صاحبي الورقة التي دسها ابن عمه بجيبه وجدها تقول: «ها أنت دخلت يا بن عمي عالمنا المعزول، حيث منبه الساعة يطلق الضوء لا الصوت، وحيث الهاتف بالنور أو بالهز، وحيث تبدو وكأن بينك وبين الناس حائطا زجاجيا سميكا لا تسمعهم، ولا هم ينتبهون لما تحاول أن تعبر عنه. عالمنا حيث نبدو كالمهرجين ونحن نعبر عن الغضب أو الابتسام بمط الشفاه وتوسيع العيون وتقطيب عضلات الوجه، عالمٌ وأنت صامت تبدو على وجهك ملامح البلَه والذهول».. وتستمر الورقة على هذا المنوال.
والذي صار أن صديقي نجح وصار صاحب صناعة مهمة، وهو يقول إن رسالة ابن عمه تلك كانت له دافعا وليست مجلبا للغم والاستسلام.
ثم أخذني من يدي وأراني شهاداته الأكاديمية الهندسية، وجدارا مملوءا بالشهادات الفخرية والإنجازية.. ثم لوح بيده بالهواء وكأنه يمسح كل تلك الشهادات وكأنها ليست هي المهمة، وأشار إلى إطار يكاد يكون معزولا بحاله، ورفع إبهامه مؤشرا وقائلا: هذه هي «الشهادة الأهم».. وكان في وسط الإطار ورقة دفتر مدرسي قديم. هي تلك الورقة التي دسها ابن عمه في جيبه!
لقد كانت تلك الرسالة التشاؤمية إنذارا لصديقي ألاّ يتشاءم أبدا فيكون مصيره كما وصف ابن عمه.. وكانت حافزه الأكبر للتفوق.