ألا يحتاج الشباب إلى مناشط يفرغون فيها طاقاتهم، ويكتسبون فيها الخبرات، ويقضون فيها أوقاتهم مع أقرانهم في أجواء صحية ومفيدة؟ بالتأكيد سيقول كل منا نعم في الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، وقد دبجت عشرات المقالات بشأن اقتراحات بهذا الشأن. لكنها جميعا كانت تتوجه إلى الإدارات الحكومية (الرئاسة العامة لرعاية الشباب سابقا، وأحيانا البلديات، أو وزارة التربية والتعليم، أو أي جهة حكومية مركزية لها علاقة بالمدن وتخطيطها)، لكن أغلبها – إن لم يكن جميعها – لا تطرح فكرة المبادرات الشعبية، أو اقتراح الإسهام المباشر من رجال الأعمال وبعض الشركات المساهمة أو المؤسسات المالية في هذه الأمور.
ذلك الوضع تغير بعد أن صارت أوضاع الاستثمار أكثر شفافية، وأنظمة الكسب غير مفتوحة بالكامل دون حساب، وضريبة المنافع منظور إليها بجدية تامة. وبعد أن ظهرت لوائح بعض الرسوم وضريبة القيمة المضافة؛ فإنه ربما يكون الوقت ملائما لفرض ضريبة تتعلق بالخدمات الاجتماعية والصحية والرياضية والترفيهية على رجال الأعمال والمؤسسات المالية والبنوك المنتفعة من القطاع الذي تُنشأ فيه مثل تلك الخدمات. فكيف يمكن أن يجري تفعيل دورة الاستفادة من المجتمع وإفادته، من خلال ضخ جزء بسيط من المكاسب في تنمية الروح الإيجابية لدى أفراده، وبخاصة فئة الشباب منهم، بترفيه ونشاطات رياضية وصحية ولقاءات اجتماعية مفيدة؟ الأمر ربما يكون بسيطا، وهو مطبق في عدد من بلدان العالم؛ حيث يجني المجتمع بعض المكاسب من القادرين على ذلك، دون أن يتضرروا بسبب كون التكاليف توزع على الجميع بنسب بسيطة، وتدرج ضمن مدفوعات المؤسسات أو البنوك.
فإذا قام رجال الأعمال المستثمرون في البناء والمقاولات، بسبب كونهم متسببين في تلويث الهواء والصخب وبعض أجواء التوتر، التي يخلقونها في مشاريعهم الإنشائية، والحفريات في الطرق، بتقديم نسبة ربما لا تتجاوز 3% من أرباحهم من تلك المشاريع، فإن ريعا عاليا لتلك المبادرة سيكون كافيا – في ظني – لإقامة بعض الملاعب المزروعة والمسابح الترفيهية وتشجير المساحات الفارغة المحيطة بالطرق وبتلك المنشآت القائمة في داخل الأحياء. ومثل ذلك يُفرض على المستثمرين فيما يضر الناس مثل مقاهي الشيشة نسبة من الربح تضاهي المذكورة أعلاه، وتصرف على خدمات صحية في الأحياء المجاورة. والشيء نفسه يمكن أن يطبق على قطاعات تجارية وصناعية مختلفة.
وأرى أن تكون تلك الضريبة مشترطة في دفاتر المناقصات، لأنه لزاما على من يكسبون كثيرا من المجتمع أن يدفعوا بعض المال للإسهام في بناء الحياة الاجتماعية والأنشطة الترفيهية. وقد يحتاج الأمر أن تُرفع الضرائب على السلع الاستهلاكية الباذخة، ليخصص جزء منها للصرف على تلك المناشط؛ مما يخلق نوعا من التكافل بين الفئات الغنية جدا، والفئات التي ربما لا تجد مكانا صحيا لممارسة الأنشطة الرياضية، أو التنزه، أو حتى استنشاق الهواء النقي، الذي ستسهم في إيجاده عمليات الزراعة والتشجير.
لكن يلزم من أجل أن تكون تلك المبادرات فاعلة ومباشرة، ألا تكون المبالغ المحصلة لها تحت سلطة الأجهزة البيروقراطية؛ بل ربما يكون هناك قسم في المجلس البلدي يمثله بعض الوجهاء في أحياء المدينة أو القرية، هو المعني بصرفها ومتابعة الإشراف عليها وصيانتها. وبهذا يكون هناك اهتمام من الأهالي أيضا بمنشآتهم، وتقارب وألفة بينهم، بعد أن أبعدتهم المدن الكبيرة على وجه الخصوص بعضهم عن بعض.