الأفراد يحققون حضوراً جماهيرياً طبقاً لإمكاناتهم وعبقرياتهم ومهاراتهم وقدراتهم، لهذا نجد تنوعاً في المقدرات ومؤهلات الحضور: هذا فنان تشكيلي وذاك مغنٍ، وهذا أكاديمي وذاك طبيب، وهذا مسؤول وذاك خبير، وهذا دبلوماسي وذاك ثري.. إلخ.
الدول أيضاً مثل الأفراد، كل دولة تستثمر قدراتها ومؤهلاتها لتتمتع بحضور دولي، وفقا لعناصر قوة وعبقريات المكان والزمان وعناصر أخرى موضوعية.
وفي الذهن الجمعي لعلاقات الدول، تعتمد حضور الدولة وقوتها على عناصر أساسية أهمها: القوة العسكرية، والقوة الدبلوماسية، والقوة الاقتصادية، والقوة العلمية والتكنولوجية، والموقع الجغرافي، والمساحة وعدد السكان.
الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية تتميز بكل هذه العناصر، فأصبحت قوة عظمى عالمية، وأيضاً روسيا، وبريطانيا قوة عظمى مع أنها أن تفتقر للمساحة، لكن العناصر الأخرى تعوض ضعفها. وكذلك فرنسا وألمانيا والصين.
على المستوى الإقليمي في المنطقة العربية، تتميز المملكة ومصر، بصفة خاصة، بحضور قيادي في العالم العربي، لأنهما تتمتعان بكل عناصر القوة الإقليمية. وتعوض عناصر أخرى الموقف الاقتصادي في مصر. فحينما تتقدم المملكة أو مصر لقيادة مهمة إقليمية، لا أحد يستهجن أو يسخر، لأنها تنهض بمهمة متكافئة مع إمكانياتها، والأعداء فقط والمرتزقة ومرضى الأوهام هم الذين يثيرون الغبار والشكوك.
ولكن ما يثير السخرية والتفكه والريبة هو أن تحاول دولة صغيرة، لا تملك سوى عنصر واحد من مؤهلات القوة الدولية، تخطي الحواجز ومقارعة الجبال والمستحيلات، لتحظى بحضور «صناعي» على المسرح الدولي أو الإقليمي، لا يلبث أن ينهار ويتلاشي حين الاختبارات الصعبة. وهذا ما يحدث مع قطر الشقيقة التي تبنت دوراً أكبر منها ومن إمكاناتها، وصدقت الوهم أنها دولة مهمة جدأً ورقم صعب في المعادلة الإقليمية وبلد زعيم في العالم العربي، وأنها ند للمملكة ولمصر، لمجرد أن مجموعة مرتزقة يزينون لقادتها الفكرة، ويوهمونهم أن الزعامة يسيرة ويمكن شراؤها بشيكات، ويمكن خطف الزعامة من المملكة ومصر. وهذا ما جعل قطر تستهوي الفكرة وتتمادى وتركض إلى كل مؤتمر ومنتدى وأزمة لإنجاز مهماتها «الزعامية»، تحول الأمر إلى إدمان ومرض، لدرجة أن الدوحة «استحلت» اللعبة وارتكاب دور أخطر وشرعت في الاشتراك بمؤامرة لهدم المملكة ومصر للتغلب على عقدة الدولة الصغيرة.
هذا السلوك القطري يتسم بالمغامرة والتهور والمقامرة، لهذا لم تجرؤ بلدان كثيرة صغيرة عربية وغير عربية، وهي أكثر ثراء من قطر ولديها مؤهلات نسبية متفوقة، على ارتكاب حماقات لأنها رشيدة وتعرف حدود إمكاناتها. بل حتى السعودية حينما غضبت من الرئيس باراك أوباما بعد كشف لعبته القذرة ضد المملكة مع الإخوان وقطر وإيران، واجهت السعودية أوباما شخصياً ولم تواجه الولايات المتحدة أو تتآمر ضدها، لأن الدبلوماسية السعودية حكيمة وتعرف حدود إمكاناتها وقدراتها.
كل ما سبق وفي كل انتقاداتي لقطر، لا يعني أنني أقلل من مكانة أسرة آل ثاني الكريمة، ولا من أهمية القطريين الذين يتمتعون بسجايا كريمة وخيريات رائعة، لكنني انتقد سلوكيات خطيرة ومتهورة ما كان لمسؤول قطري رشيد أن يقدم عليها أو حتى أن يفكر بها، لأنها مقامرة ولعب بالنار، بل وتتصادم مع شخصيات القطريين المتمكنة الدافئة الودودة الوفية.