من ينتمي إلى سوق الطيران، يلاحظ بشكل مباشر مدى استفادة بعض الدول غير الصناعية في هذا المجال واستثمارهم به، ممّا يجعل هذه الدول لا تتحمّل تكاليف تشغيليّة بشكل مبالغ فيه كما هو حاصل لدينا، فالغريب أن دولة بحجم مملكتنا الحبيبة تفتقد إلى تعدّد الشركات المساندة والتي تخدم قطاع الطيران بشكل مباشر.
هناك العديد من الشركات العملاقة والمصنّعة للطائرات والتي تعلم جيّداً أن سوق الطيران لدينا لديها حركة طائرات عالية مقارنة بدولٍ أخرى في الشرق الأوسط، لذلك تضع هذه الشركات المصنّعة طُرقاً ملتوية للحصول على حصتها من الشركات السعودية المشغّلة لطائراتها وذلك من خلال حصر عمل صيانتها في حظائر معيّنة خارج حدودنا الإقليمية، أو شراء قطع غيار منهم فقط، ناهيك عن احتكار الأسعار والتفرّد في التوزيع، وأبسط ما يستطيعون احتكاره هو التدريب الذي لا يستطيع أن ينافسهم به سوى أنفسهم. في الجانب الآخر، نرى بعض دول الجوار يسهلون إجراءات وتراخيص فتح شركات للصيانة وقطع الغيار والشحن والمراكز التدريبية وذلك لزيادة المنافسة وكسر الاحتكار وبالتالي رفع مستوى الجودة بين مزوّدي الخدمة. بالرغم من أن الحركة الجوية لدينا ومساحة وحجم المطارات الدولية والقوة الشرائية لدينا أعلى بكثير من تلك الأسواق، فعلى سبيل المثال لا الحصر لدينا ما يقارب 50 طائرة من نوع قولف ستريم وهو ما يعادل 50% من سوق الشرق الأوسط ولا يوجد شركة صيانة طائرات أو مزوّد قطع غيار معتمد لهذا النوع من الطائرات، كذلك المعدّات الأرضية والعربات المستخدمة في الساحة لا يوجد لها ورش لشركات متخصّصة لإصلاحها وصيانتها، وعلى النقيض نجد في المطارات الدولية حول العالم العديد من المرافق الإضافية والتي تُساعد على كفاءة التشغيل في المطار وكذلك تجعل المطار أو الدولة وجهة مطلوبة لشركات الطيران؛ لما يجدونه من رعاية واهتمام في حال تعطّل طائرتهم أو احتاج الأمر أيا من أعمال الصيانة بشكل عام.
البيئة الاستثمارية لدينا جاذبة، سواء لرجال الأعمال من المملكة أو حتى للشركات الأجنبية، وكل ما نحتاج إليه عمل دراسة خاصة لهؤلاء المستثمرين عن حاجة البلد لهذا النوع من الاستثمارات وإمكانية تطويرها على المدى الطويل، فلدينا ولله الحمد مساحات شاسعة في مطاراتنا والتي تسهّل الاقدام على هذه الخطوة الهامة، كما أن الحديث عن توجهات المملكة الأخيرة وانفتاحها على الأسواق العالمية يجعلنا نتفاءل كثيراً بأن النهضة الكبيرة التي نشهدها في كل القطاعات والمجالات ستطال حتماً قطاع الطيران خصوصاً قطاع الخدمات المساندة منه وما يشمله من أجزاء وقطاعات.
فرص النجاح لدينا تتضاعف وبالأخص مع الخطوات العملية التي تم اتخاذها مؤخراً والمتمثلة في خصخصة المطارات وتسليمها الى شركات مشغلة، فكل ما نحتاجه هو تعميم هذه التجربة على الأقسام الأخرى في قطاع الطيران، كالشحن الجوي وصيانة الطائرات وغيرها، العوائد ستكون كبيرة ومجزية، ليست المالية فقط، بل ان خصخصة وفك احتكار هذه القطاعات سيسهم في توفير رقم كبير من الوظائف لشباب وشابات الوطن، بخلاف العوائد المجزية التي ستعود بها عملية توطين هذه الصناعة.
