عرفتها سيدة بيت من الطراز الأول تهتم بكل تفاصيل الحياة اليومية لزوجها وأبنائها وبيتها وضيوفها وعلاقاتها الاجتماعية وتعرف معنى أن تعطي لكل منهم حقه. احتملت كثيرا من الأعباء والضغوط في ذلك الزمن الذي لم تكن الخادمة فيه موجودة في كل بيت ولذلك كانت المرأة تقوم بكل المهام (تطبخ وتنفخ) كما هو التعبير الدارج، وكانت الأسرة الواحدة تجمع زوجات الأبناء تحت سقف واحد وهن جميعا يتقاسمن ويتشاركن في كل الأعمال المنزلية. وفي الجانب الآخر لم تهمل تلك السيدة أناقتها داخل البيت أو خارجه ولم تهمل عطورها واهتمامها بأدق التفاصيل في هندامها بشكل كامل وكان تعاملها مع زوجها محط اعجاب كل من حولهما بما يلاحظ عليهما من إظهار التقدير والاحترام وتحت هذه الأخيرة كانت هي وهو يضعان ثلاثة خطوط لتعاملهما أمام الآخرين وفيما بينهما.
جلستُ يوما على مقربة من تلك السيدة وحينذاك جاءت زوجة أحد أبنائها وجلست بجانبها في حين كان الابن الزوج يجلس في الجهة المقابلة، وعندما اندمجت الأم وكنتها في الحديث مالت الزوجة الصغيرة بتلقائية لتكون في مواجهة حماتها حتى صار ظهرها لزوجها وكانت متحمسة في الحديث الودي مع حماتها التي كانت تنصت لها باهتمام وتشاركها في الحوار وفي الوقت نفسه بدت منها حركة لا إرادية حيث وضعت يدها بلطف على كتف الزوجة الصغيرة لتميل قليلا فتصلح من جلستها حتى لا يكون ظهرها لزوجها الشاب. تأملت ذلك الموقف بإعجاب وفهمته جيدا في الوقت الذي ربما لم تشعر أي منهما به. فتلك الأم لم تصلح من جلسة (كنتها) من أجل ابنها فقط بل من أجلهما معا، فمن تجربتها الطويلة في بيتها أدركت أن احترام شريك الحياة فيه كثير من التفاصيل الدقيقة هو أمر بسيط وبالغ الأهمية، فإذا أهمل مرة بعد أخرى تفقد العلاقة رونقها سواء بين الزوجين أو أمام أفراد أسرتيهما أو حتى من قبل الغرباء في الأماكن العامة وتبدأ مواقف الحياة اليومية تُسقط أشياء كثيرة من مادة الاحترام الذي أزعم أنه المادة الأولى لبناء الحب والحياة بشكل سليم شريطة أن يكون متبادلا. قد ترون أني أبالغ في ذلك ولكن هذه هي الحقيقة غالبا عند الأسوياء من الرجال والنساء فالتي تتنبه لمثل هذه الأمور لن تسمح لنفسها بأن تحمل الزوج ما لا يطيق ماديا أو معنويا، والذي يتنبه لما تريده الزوجة من احترام في التعامل لن يخذلها في قلبه وعقله، المهم أن يتفقا على ذلك فتعلمه ويعلمها وتأخذ بيده ويأخذ بيدها، فهي إذا أهانته فيما بينهما ستهينه أمام الآخرين ببساطة. وإذا أهانها هو سيقتل روحها وتصبح الحياة مريرة حتى ولو استمرت. فإذا كان الناس قديما يعيشون حياة زوجية تستمر لسنوات طوال فيها كثير من المودة والرحمة والاحترام والهدوء رغم أنهما لم يعرفا بعضهما إلا ليلة الزفاف فلأن تلك المحبة أو المودة ولدها الاحترام أولا وهو الأكثر إبقاء على الحياة الزوجية صحيحة وصحية. أما اليوم ونحن نرى ازديادا وتسارعا في حالات الطلاق رغم أنهما في الغالب يجلسان معا ويتحدثان كثيرا قبل الزواج ولكن عندما يصبحان في مواجهة الواقع الجديد تصبح الحياة مستحيلة فلا تقدير لاحتياجات الطرف الآخر ولا احترام لرغباته أو يصبح الأمر تحديا وعنادا على توافه الأمور فتنتهي الحياة الزوجية بسرعة البرق وهذا ما لا نريده لأي من شبابنا الذين لم يجدوا من ينبههم لهذه النقطة بالتحديد. هذا حال شبابنا اليوم فماذا عمن هم الآن في سن ما بين العاشرة والتاسعة عشرة من العمر ويقرأون ويسمعون كل تلك النكات السخيفة التي تتحدث عن المرأة السعودية والرجل السعودي وتصورهما تصويرا مشوها وتمرر مفاهيم خاطئة عن علاقة الزوجين وأدوارهما تجاه بعضهما والحياة المشتركة، لذا أرجو أن نتبنى كمجتمع فكرة دفن كل ذلك القبح الذي يسمى نكتة في أجهزتكم وأن تصححوا أفكار صغاركم ليرفضوا تلك النكات ولا يستسلموا لها؛ لأنها مشوهة وتشوه وجه الحياة التي يفترض أن يستقبلوها كزوجات لأبنائنا وأزواج لبناتنا.