مازلتُ أصرّ على أن استثمارنا في التعليم مهما بلغ فإنه سيظل أهم من كل الاستثمارات الاقتصادية والتجارية مهما وفرتْ لنا من العملات الصعبة، ومهما تملّكنا بواسطتها من العقارات والشركات والبنوك والمنصات الربحية أيًا كان نوعها. لا شيء يُضاهي الاستثمار في التعليم على الإطلاق، إنْ عرفنا كيف نستثمر فيه، وإن تحررنا من عُقد التقليدية، وآمنّا أنه طريقنا الوحيد لبناء نهضة لا ترتهن لأي خام مهما كانتْ قيمته، ولا تخضع لتقلبات الأسواق ومزاجاتها، وقوة المضاربين فيها.
لكن مشكلتنا اليوم، وغدًا، وأمس، وقبل أمس، هي أننا أولًا لم نُسلّم بشكل حاسم بأن وزارة التعليم هي أخطر وأهمّ الوزارات على الإطلاق لأنها مصنع عقول وثقافات ومهارات الأجيال التي ستقود تنمية البلد في العقود القادمة، والتسليم بهذه الحقيقة هو أهمّ وأعظم أولويات خطط الإصلاح، والثاني أننا لم نتفق بعد على مكامن الخلل هل هو في المعلم أم في المنهج أم هو في البيئة المدرسية، أم أنه فيها مجتمعة؟، لذلك نظل ننفق الكثير من الوقت في النزاع حول هذا المثلث دون أن نصل إلى أي نتيجة، لأن المشكلة ليستْ هنا، ولا في أين هو مكمن الخلل؟، فإصلاح المنهج لا يُعوّض عدم تأهيل المعلم، ولا فقر البيئة المدرسية، كما ان كفاءة المعلم لا تسد النقص في المنهج وهكذا، لذلك يلزم أن نتعامل معها كمنظومة واحدة لا ينفصل جزء منها عن الآخر، وبالتالي فأنا أجزم بأنه لو جاء على رأس هذه الوزارة عشرة وزراء في وقتٍ واحد فلن يغيّروا شيئا من واقعها ما لم تتناغم هذه العناصر الثلاثة، وتعمل كوحدة واحدة، لكن بنفس الوقت كيف لهذه الوزارة أن تعمل بشكل صحّي إن توفرتْ العزيمة في ظل هذه الأثقال، وهذه الأحمال الزائدة؟، أليس من الأولى أن نبدأ إن أردنا أن نسلك الطريق الصحيح بالخلاص من تلك الترهلات الضخمة التي أصابتْ الوزارة جرّاء اختلاف السياسات طوال الفترة السابقة؟، وأن نعود مجددا إلى فكرة فصل التعليم الابتدائي عنها، وتلزيمه لشركة تعليمية متخصصة، مع الاستغناء عن التعليم العالي بمجالس إدارات مستقلة للجامعات بحيث تكون كل جامعة مسؤولة عن برامجها ومساراتها الأكاديمية لخلق بيئة تنافسية فيما بينها، بحيث تتفرغ الوزارة بعد إزالة تلك الشحوم الزائدة لمهمتها بإنجاز تعليم نوعي.