لن أتطرق إلى أهمية المتاحف وأثرها الإيجابي على الأجيال. لن أتحدث عنها كتاريخ وذاكرة للمكان والزمان. لن أتحدث عن دورها في توضيح الماضي وربطه بالحاضر. لكن أتحدث مع نفسي متسائلا أين هي المتاحف في المنطقة الشرقية؟ لا أبحث عن إجابة، فالسؤال بغرض التحفيز، لطرح المزيد من الأسئلة والتساؤلات. ليس هذا فقط، لكن أيضا لإثارة علامات التعجب حول اختفائها من أجندات المخططين، وأصحاب الذوق الرفيع، وأيضا الذين يتطلعون لرؤية نجم سهيل في سماه.
■■ لا أدري لماذا تتوه الأشياء رغم أهميتها؟ والنّاس تشد الرحال إلى متاحف مدن العالم. من المسئول؟ وأتساءل عن المسئولية بكل فروعها الوزارية. إذا كانت العقود الماضية مرحلة غاب فيها الكثير من الأشياء المهمة، فمتى نتغير نحو الأفضل، وأن يكون كل شيء في حياتنا مهمًا، ومنه المتاحف.
■■ مع بداية الثمانينيّات من القرن الماضي شاركت في تأسيس متحف زراعي بجامعة الملك فيصل، وتم جمع كل الأدوات والوسائل الزراعية، والأدوات المهارية التقليدية، والمقتنيات المحلية ذات العلاقة. وتم رسم لوحات لهيئة المزارع الإحسائي في زي تفاعله مع الأرض، وتم استئجار بيت من دورين قريب من الجامعة، وتم افتتاحه، وأصبح نموذجًا افتخر به. ثم غادرت لمواصلة دراستي، ورجعت من البعثة، فكان المتحف أول شيء سألت عنه. لم أجد المتحف. لم أجد أي شيء من مقتنياته. كانت صدمة ما زلت أحمل مرارتها.
■■ منطقة كالمنطقة الشرقية تضم بداخلها تنوعًا بيئيًا، وتاريخيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، وتعليميًا، ثم نجدها بلا متاحف، أو حتى ما يشبه المتاحف. البعض يعمل لحصر المتحف في زوايا ضيقة. المتحف موسوعة تضم منهجًا يتحدث عن ماضٍ وحاضر ومستقبل. أتساءل: أين المتحف الزراعي؟ أين متحف التعليم؟ أين متحف القطار؟ أين متحف الطوابع؟ أين متحف تطور البيت السعودي؟ أين متحف الأزياء المحلية؟ أين متحف القهوة العربية؟ أين متحف السيارات؟ أين متحف المهن والمهارات؟ أين متحف رواد المنطقة؟ أين متحف تطور المدن؟ أين متحف بيت الشَّعْر؟ أين متحف الأسواق الشعبية؟ أين متحف الحلاقين (المزين)؟ أين متحف الموصلات؟ أين متحف العلاج الشعبي؟ أين متحف الإبل وبقية الأنعام المحلية والثروة البحرية؟ ويمكن أن أسرد الكثير.
■■ أين متحف صيادي الأسماك، وهي مهنة لها طقوسها، وأدواتها، ووسائلها المهنية والمهارية. كيف يغيب؟! هي المهنة الأكثر شيوعًا في المنطقة الشرقية. مهنة أهلنا جيران البحر، وقد صاغ ملامحها شعرًا، الشاعر (جواد الشيخ)، وقدمها أداء الفنان (محروس الهاجري)، وقدمها لحنًا الملحن عبدالرحمن الحمد. ثلاثة جسدوا وأسسوا عام 1978م متحفًا للأجيال بالكلمة والأداء واللحن. تأملوا الإبداع:
[خذ يابحر كل ماتبي/ غدار أعرفك يا بحر/ ضحكة أمواجك تسل سيوف/ تطعن في الظهر/ تغوص في خد الخليج/ في شواطيك/ صرخة للنهاب غناته قهر/ خذ يا بحر كل ماتبي/ اللولو والمرجان والثوب الحرير/ كل الحلي صارت رماد/ فدوة لعيون السندباد/ فدوة لكم يا عيون اهلي/ خذ يا بحر كل ما تبي/ بس يرجع المحبوب طول في السفر].
■■ كلمات تختصر التاريخ، وتجسد المعاناة، وتوضح قوة الصبر والتحدي والتحمل والأمل. بناء الكلمات بما تحمل يجسد متحفًا في حد ذاته. وإن تعمقنا أكثر، يطفو التساؤل: هل تدرك أجيالنا ذلك الكفاح، وكان جزءا من تاريخنا وثقافتنا. المتاحف وسيلة لتقوية الجذور وحمايتها من التقزيم والاندثار. المتاحف عطاء وسند قوي للأجيال. أرجو أن تصبح الشرقية منطقة المتاحف.