حياتنا تمر بمراحل مختلفة ونعيش خلالها الأيام بحلوها ومرها، بإخفاقاتها ونجاحاتها. وتلك المراحل ببساطة تبدأ من الولادة، مرورا بالطفولة، ثم مرحلة شباب، بعدها سكينة ووقار الشيخوخة، فممات.. هذه قصة كل إنسان باختصار. أما المرحلة الأولى والأخيرة (الولادة والممات) فلسنا مخيرين بها.
في مرحلة الطفولة (السعادة) هي العنوان وتأتي من أبسط الأشياء وفي أحلك الظروف، لأن الطفل يعيش اللحظة حتى ولو كان فقيرا أو لاجئا أو مريضا أو متعبا. تظل تلك الروح الجميلة المبتسمة فطريا وتلقائيا في معظم أحواله، وهذه الميزة لا يقدر عليها لا الشباب ولا الشيوخ بسبب تراكم الخبرات والتجارب التي تجعلهم يحكمون على الأحداث من حولهم قبل وبعد وقوعها بناء على المعلومات المخزنة في عقولهم من تلك التجارب. ولكن الطفل لا يزال صفحة بيضاء يتعرف ويكتشف الحياة بعفوية.
وأما مرحلة الشباب، فهي بداية التسرع في اقتباس المواقف والأحكام، والاعتقاد أن بعض المواقف والقضايا قطعية لا ظنية، جازما أنه ناضج العقل والتجربة. ويعتقد أنه يملك الجواب والرأي الصحيح (100%)، وأن المخالف ضعيف الرأي أو يخاف ويفتقد إلى الجرأة والإقدام.
وأما مرحلة الشيخوخة بأنواعها وأقصد ما قاله فيكتور هوجو (أديب وشاعر وروائي فرنسي 1802 - 1885م): إن سن الأربعين هو شيخوخة الشباب، وسن الخمسين هو شباب الشيخوخة! في هذه المرحلة تتضح لك الحياة بصورة مختلفة. وتصبح عندك الرؤية أكبر وأبعد، ولذلك تجد البعض يدرك ذلك جيدا، فتتغير بعض آرائه ومواقفه ليس لأنه كان مخطئا في السابق، ولكن بحسب تراكم الخبرات والمعلومات، ونمو طريقة التفكير. ودليل ذلك أن الإمام الشافعي- رحمه الله - على قدرته الرائعة في الاستنباط والفقه، وذكائه المتقد، فهو مؤسس أصول الفقه بلا منازع وكل من جاء بعده هو عالة عليه، ومع ذلك كله فقد كانت له آراؤه الفقهية في كتابه «الرسالة» (الذي كتبه في مكة وقيل بغداد) ولكن بعد أن رحل إلى مصر وعاش فيها فترة من الزمن أملى على تلاميذه كتابا يسمى «الأم»، وهو أيضا كتاب رائع ولكن تغيرت فيه بعض من الرؤى والأفكار لبعض القضايا، وذلك تجد أكثر من رأي في المسألة.
وحتى الكثير من الفلاسفة الذين ضجوا وأشغلوا العالم في عصر التنوير (من القرن الثامن عشر إلى العشرين) بالتحليلات المنطقية والطبيعية والمادة وما وراء المادة (الميتافيزيقية)، فقد تبدلت آراء كثير منهم، بل أصبحت في بعض الأحيان متناقضة!. ومثال ذلك الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت (1724-1804م) الذي تغيرت بعض آرائه في كتابه الثاني «الدين في حدود العقل الخالص» كما بين ذلك ول ديورانت في كتابه «قصة الفلسفة».
ما أريد أن أصل إليه عش كل مرحلة بطبيعتها للتمتع بها كجزء من الحياة، ولكن ترفق في أن تضع الأمور والقضايا الظنية في مقام القطعية، بل اعرف أن عقلك وفهمك وخبراتك وآراءك سوف تتطور مع الزمن لأن ذلك من سنن الحياة ما عدا ثوابت القضايا وأسس المبادئ. وكما قيل: إذا لم تتقدم، فسوف تتقادم.
ولذلك أقول حتى ما أكتبه من رأي في هذه المرحلة بما معي من معلومات وخبرات بسيطة قد يتغير ويتطور مستقبلا. وانظر حولك، فقد تغيرت أشياء كثيرة كنا أنا وأنت نظن، بل نجزم يوما أنها لن تحدث أو تتغير!.