تعتبر الزيارة التاريخية للملك سلمان الى موسكو، والتي تعد الأولى لملك سعودي، نقلة نوعية في العلاقات بين الرياض وموسكو ومرحلة جديدة من السعي لشراكة إستراتيجية حقيقية لتحقيق المصالح المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي. فعلى مدى العقود الماضية منذ بداية النشاط الدبلوماسي في عام 1990، شهدت فيها العلاقة بين موسكو والرياض منعطفات مختلفة عبر مراحل زمنية ممتدة، تأرجحت بين مد وجزر ومنحنيات من الصعود والهبوط لعبت فيها القضايا الاقليمية دورا هاما في تحديد مسارات وبوصلة هذه العلاقة. ومنذ تولي الملك سلمان الحكم والتحول الواضح في السياسة الخارجية السعودية لتبني النهج الحازم والصارم والانخراط بشكل مباشر للعب دور محوري في أمن واستقرار المنطقة، في ظل كذلك وجود رؤية طموحة للمملكة (2030) التي تسعى إلى ترسيخ مكانة السعودية عالميا كقُطبٍ من أقطاب الاقتصاد والتنمية من خلال تعزيز البيئة الاستثمارية وانتقال السعودية إلى مرحلة ما بعد النفط، أدركت المملكة أهمية تعزيز العلاقة مع روسيا وتوثيق الصلة معها، والتركيز على المصالح المشتركة. فروسيا تعتبر إحدى الدول الكبرى المؤثرة عالميا وأكبر احتياطي غاز طبيعي في العالم، وتحتل المرتبة الـ 12 في العالم من ناحية الناتج المحلي الإجمالي، والسادسة عالميا في القوة الشرائية. وبالتالي فالتعاون والتنسيق معها بالغ الاهمية في أمن واستقرار المنطقة، وفي فتح المجال للاستفادة من الفرص الاستثمارية في السوق الروسية والصناعات الروسية. كما أن التنسيق مع روسيا كدولة خارج الأوبك يخدم استقرار الاسواق النفطية خاصة في ظل تراجع اسعار النفط بشكل كبير في العامين الماضيين. وكما كان يؤكد الأمير محمد بن سلمان في عدة مناسبات «من دون مشاركة روسيا والسعودية لا يمكن إرساء سياسة مستقرة في مجال النفط». فكانت زيارات الامير محمد بن سلمان المتعددة الى روسيا في 2015 و2017، والتي التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كسر فيها الجمود ودفع بالعلاقة الى مرحلة جديدة من الشراكة في عدة اتجاهات من خلال تجاوز الخلافات السابقة، والعمل على النقاط المشتركة بين البلدين، فجرى خلال الزيارات التوقيع على عدة اتفاقيات تعاون في مجال الطاقة والاسلحة والاستثمار واستمرار الحوار والتنسيق لبحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
شهدت القمة السعودية الروسية بين الملك سلمان والرئيس بوتين مناقشة ملفات وقضايا عدة سياسية وعسكرية واقتصادية واستثمارية ونفطية وكان من اهم ما انبثقت عنها توافق سياسي كبير بين الطرفين بشأن معظم الملفات الدولية. وكان الموقف السعودي واضحا وصريحا في ضرورة مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، ووقف تدخل إيران بشؤون دول المنطقة، إضافة إلى التأكيد على ضرورة الحل السياسي، لأزمات سوريا والعراق واليمن، وفقا للقرارات الدولية، وبما يحفظ وحدتها. اما على المستوى الاقتصادي فتمثل في تأسيس صندوق استثماري مشترك بقيمة مليار دولار. اما على المستوى العسكري فقد وافقت المملكة على شراء منظومة الصواريخ الدفاعية إس أربعمائة المتطورة. اعتقد ان القمة السعودية الروسية، وما اتضح من توافق على معظم المستويات، سوف تؤذن بعهد جديد من الشراكة الاستراتيجية، وتطرح خارطة طريق في كل المجالات بما يخدم مصالح الطرفين وامن واستقرار المنطقة والعالم.