يبدو أن البعض العربي ينافس على كأس البهدلة العالمي. هذه كأس من تأليفي، بمناسبة اليوم العالمي للنظر في أمور الدنيا، ذلكم من باب ثقب الباب. البعض يقف خلف باب داره؛ ليرى الآخرين من هذا الثقب الشهير، ويعتقد أنه يؤثر فيهم، لكنه لا يرى نفسه. الآخرون يرصدون تصرفاته وأفعاله. يعتقد أنه وراء حجاب، وهو في بيت من زجاج. الكل يراه ويرصد عفنه وسلوكه مع نفسه ومع الآخرين. وخلال العقود الماضية، أنهكتنا أفعال هذا البعض الذي يتجدد، وبفعل أعداء الجميع.
■■ قد يكون أفضل مسرح لهذا البعض هو مسرح الأغنية السياسية العربية. حيث تجليات الشعراء، وإبداعات الملحنين تطوف حول الخيال ومعه، تنطلق تجليات هذا البعض معها إلى عالم تضخيم النفس، ولكن يعيشون بهواء الخبث والتآمر. وقد قال الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، في وصف هذا البعض: (تمشي الهزائم فوق منكبه... وهو بأفراح النصر مشغول).
■■ الأغنية السياسية العربية في هبوط، وتصرفات هذا البعض في هبوط أكثر، بل تدحرج نحو التردي بسرعة أشد. ينسجون كلمات لأنفسهم لا تخرج عن نشيد: (فوق الخيل فوق الخيل). يتخيلون أن لهم أمجادا غابرة، بعضهم يؤكد انتماءهم إلى عناصر التاريخ المعروفة، يكذبون الكذبة ويصدقونها، وهذا أقصى ما يستطيعون فعله. حتى أن (زنبيل الخرابيط) أصبح مرتفع السعر عندهم. وعندما لا يدرك المرء حجمه الطبيعي يقع في هذا (الزنبيل)، ليصبح هو نفسه (خربوطة) مع بقية (الخرابيط).
■■ ما زلت أذكر حديث أحد زعماء هذا البعض، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير خارجية الدوحة السابق، وقد وصفه الشيخ خليفة بن حمد، رحمه الله، بأنه (رأس الأفعى). كانت تصرفات (حمد) تزيد من تركيز سم الأفعى. حاليا يلتهم كل سمومه التي نفثها. وكان في حديثه يتبرأ من نفسه. أعلن يوما عدم قدرته على السيطرة على قناة الجزيرة، وكأنه يعلن للناس عامة براءته من نفسه، وهذا أيضا لا يحدث إلا في دوحة الحمدين.
■■ تخيلوا أن يعلن زعيم يمثل رأس أفعى، ورئيس وزراء، ووزير خارجية، على شاشات التلفزة العربية والعالمية و(المودمانية) أن الدوحة غير قادرة على السيطرة على قناة الجزيرة. ماذا يعني هذا؟! كنتيجة نتعجب من مفهوم الدوحة لمعنى السيادة الوطنية؟!
■■ يتحدثون في الدوحة عن السيادة، وهي تعني أشياء كثيرة في لغة همبرجر السياسة، حيث يأكلون (الجزرة) ثم يدعون أنهم لم يأكلوها، وهذا صحيح، فعندما تطبخ الجزرة تتحول إلى غذاء، وكانت قبل الطبخ (جزرة) طبيعية، بكامل قواها العقلية. هكذا يصفون الأشياء في الدوحة بعد طبخها. لكن نسأل من هو الطباخ في مطبخ السيادة بالدوحة؟! وقد وصفها الشيخ خليفة بن حمد، رحمه الله، بأنها (دوحة العرب). لكن (الحمدين) حولاها إلى (دوحة شريفة).
■■ ذلك وصف أحد النابهين من الدوحة لحكام طهران. هذا يعني أن الطيور على أشكالها تقع. فمنذ قيام ثورة الخميني وحتى اليوم، كل إنجاز ثورة (شريفة)، هو الحروب في العالم العربي. ثم جاءوا بالقناة (شريفة)، قناة الجزيرة لتزيد الطين بلّة. هكذا تحولت الدوحة من (دوحة العرب) إلى (دوحة شريفة). ما زالوا يرددون فوق الخيل فوق الخيل. ثم تنكشف الحقيقة بأنهم يمتطون خيولا ورقية تصنعها لهم الدول (شريفة) وعملاؤهم.
■■ حولوا الدوحة لإسطبل خيول ورقي، لمؤامرات وفتن، وهذه النتائج حاكتها ونقلتها قناة الجزيرة، من بغداد، إلى دمشق، إلى طرابلس، إلى تونس، إلى كابول. قناة الجزيرة فيلم استعماري يذكرني بالعصيدة الافريقية، لا تنجح إلا بتحريكها المستمر على النّار، لو توقف التحريك (انحرقت) العصيدة.