لعلي أبدأ المقال بسؤال وهو ماذا يعني كثرة أو قلة دار المسنين في مجتمع من المجتمعات؟ وسبب طرحي لهذا السؤال هو أن الأول من أكتوبر من هذا الشهر يوافق «اليوم العالمي للمسنين». وتحتفل به منظمة الأمم المتحدة لهذه السنة تحت عنوان «الخطى نحو المستقبل من خلال اكتشاف مواهب المسنين ومساهماتهم ومشاركاتهم في المجتمع».
ربما البعض منكم شاهد الفيلم القصير الذي ارسل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والذي يحكي قصة اعتناء وبر ابن بوالده المسن، ويقال إنه حصل على عدة جوائز في مهرجان كان للأفلام القصيرة. الفيلم تم إخراجه وتصويره بطريقة مؤثرة عن بر الولد بأبيه حيث يساعده في قضاء الحاجات الأساسية من أكل وشرب وسباحة ودخول للحمام والحلاقة وغيرها. والفيلم فاز بالجوائز – كما ذكر- لأنه في الغرب عندما يصل الإنسان إلى مرحلة متأخرة من العمر، إما أن يعيش وحيدا أو يُرسل إلى دار المسنين اعتقادا أن ذلك أفضل له من ناحية الخدمات المقدمة. والحقيقة أن عيش الوالدين أو أحدهما قريبا ومع أبنائه من حوله هو خير وأعذب وأجمل له من كل زخارف دور المسنين ومميزاتها المقدمة.
المشاهد العربي حين يرى المقطع للفيلم القصير يعلم أن الذي قام به الابن لوالده هو أمر طبيعي، بل إنني متيقن أننا نملك مئات القصص عن أنواع البر المذهلة في مجتمعاتنا. فكيف لو رآها أو سمع عنها العالم الغربي الجافي والقاسي على بعضه البعض خصوصا في العلاقات الأسرية؟!، والتي يطغى عليها مصلحة الفرد على الأسرة وبالأخص الوالدين. وحالهم كما قال أميه ابن أبي الصلت معاتبا ولده:
فلما بلغت السن والغاية التي... إليها مدى ما كنت منك أؤمل جعلت جزائي منك جبها وغلظة... كأنك أنت المنعم المتفضل
نحن نملك المئات من قصص الوفاء والبر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، والتي ستؤثر في تحسين صورتنا المغلوطة والمشوهة في أنحاء العالم. كذلك هي تدعو الآخرين إلى تأمل الجانب الإيجابي الذي نعتز به من قوة الروابط الأسرية والاجتماعية التي نحظى بها. وأيضا هي دعوة ليعرف الطرف الآخر كم أن ديننا وعاداتنا فيه الكثير من الصور المشرقة في التراحم والتعاضد الذي نحن نتفوق فيه على العالم الغربي.
مثل تلك الأفلام القصيرة أو غيرها من الوسائل الحديثة هي التي يفترض أن تنتج على مستوى عالٍ وعالمي، وليس تلك الأفلام القصيرة التي تبين مشاكلنا وهمومنا وشكوانا من مجتمعاتنا أو ديننا أو عاداتنا الحميدة والقويمة. وللأسف أن البعض يفرح حين تعرض تلك الأفلام التي نشتكي ونتباكى فيها وننشر غسيلنا للآخرين كما يقال.
لماذا نقدم الصورة الضعيفة المهزوزة أو النادرة عن قضايانا؟ ونحن نملك أقوى وأفضل منها وعلى سبيل المثال، قوة الروابط الأسرية، التضحيات بين أفراد الأسرة، سمو الأخلاق، حسن المعاملة، والرقي والبر للوالدين والمسنين وغيرها من الصور الرائعة المنتشرة ولله الحمد بكثرة في المجتمع. والتي أعتقد أننا نتفوق بها ونحتاج إلى عرضها بطريقة حديثة ومدعمة بالأرقام. إن المجتمعات الحديثة غير المرجعية والبراجماتية هي في أشد حاجة إليها لأنهم ببساطة يفتقدونها على وجه العموم. يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري -رحمه الله- مصورا جفاء وقسوة العلاقات الاجتماعية والأسرية في الغرب: «لكن السائد هو تآكل المعايير الأخلاقية والاجتماعية السائدة في المجتمعات التي تترك الإنسان بلا معيارية». نحن نملك أفضل القصص والحكايات عن بر الوالدين وحسن التعامل مع المسنين عموما، ولكن نحتاج لبارع يعرضها مزخرفة بصورة ولمسات عصرية عالمية.