بدأنا الأسبوع الماضي بالاحتفالات والابتهاج بمناسبة اليوم الوطني السعودي ٨٧ وزادتنا المناسبة إحساسا بالوطنية ورأينا صورة رائعة لاتحاد السعوديين والمقيمين كذلك في أجمل رد على القلاقل والفتن التي يحاول البعض زرعها بيننا. وما أن مرت ثلاثة أيام حتى نتفاجأ بالأمر السامي التاريخي بالسماح للمرأة بالقيادة.
من مقدمة نص الأمر السامي تملكني شعور بأن الموضوع يخص قيادة المرأة وزاد التوقع مع كل كلمة حتى آخر الأمر. شعور الفرحة لا يوصف من قوة اجتياحه. وما بين التبريك والتغريد والرسائل المتتالية عبر الجوال تغير شيء بداخلي. شعور عميق بأن سيناريو المستقبل تمت إعادة كتابته في تلك اللحظة وكأننا كنا نسير على طريق وفجأة انفتح لنا طريق آخر لم يكن لنا في السابق اختياره فرأينا في الأفق ما لم نكن نحلم بأن نتخيله ولا أتكلم هنا عن القيادة فقط بل عن كل الامكانيات الإيجابية التي تجرها معها.
إن كنا نعتقد أن السماح بقيادة المرأة أمر صغير في منظومة الحياة نكون مخطئين. فالسماح للمرأة بقيادة السيارة أمر تاريخي ونقطة تحول، ولكن ليس فقط لأننا ننتظره منذ فترة طويلة، بل لأنه يتوقع أن يحدث نقلة نوعية في المجتمع شأنها شأن ما حدث مع تعليم المرأة ومع عمل المرأة خارج المنزل.
كلمة السر هي «التمكين». تمكين المرأة يتمثل في إعطاء الفرص في المشاركة الاقتصادية لتحسين المجتمع بأكمله. فالتعليم والعمل ساعدا المرأة في رفع مستوى الوعي والمسؤولية والمشاركة وتأتي القيادة هنا كامتداد لما تم الاستثمار به طويلا وهو أن تشارك المرأة مشاركة فعالة في المجتمع لأن لديها الكثير لتقدمه. فالتمكين من تعليم أو عمل أو قيادة يبني شخصيتها ويزيدها ثقة واحتراما للذات ويعطيها صوتا ويحملها مسؤولية ولكل ذلك انعكاسات إيجابية تبدأ داخل المنزل وتمتد إلى المجتمع بأكمله.
أحد أكبر العوائق لعمل المرأة هو التنقل - ولن أخوض هنا في نقاش عن عمل المرأة إن كان ضرورة أم ترفا فلقد تعبنا من الحاجة لصف المبررات الكثيرة لأمور طبيعية - ولكن التنقل هو فعلا ما كان يحول دون أن تعمل المرأة كشريك حقيقي في المجتمع مع حفظ كرامتها. السماح بالقيادة يحفظ لها الكرامة ويجنبها سلبيات كثيرة.
ينظر جزء كبير من المجتمع للمرأة على أنها صمام الأمان وأن أي تحرك لها من مكانها اجتماعيا أو اقتصاديا هو نوع من الانفلات المخيف إلا أن الواقع غير ذلك. هذه النظرة نجدها عندما تتم محاولة السيطرة وعدم إشراك المرأة في قرارات مصيرية تخصها وعندما يسلب صوتها وتغيب. مع تمكين المرأة يكون لها صوت واضح توصله دون وسيط وإن كنا نريد لمجتمعنا أن يرتقي فعلينا أن نستمع ونحاول أن نتفهم ونتعاون في بناء مستقبل جميل.
لا أعلم الغيب ولكنني متأكدة من أن التأثير طويل المدى لقيادة المرأة سوف يغير صورة المجتمع وحتى ديناميكية علاقاتنا داخل البيت الواحد إلا أن تمكين المرأة وهو أحد أهم النتائج المترتبة على الأمر السامي وأحد الأهداف المحورية في رؤية المملكة ٢٠٣٠ سوف يأتي بالخير الكثير.
حفظ الله لنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين ودام الوطن بعز وخير.