الناس بطبعهم يخشون التغيير، سواء كان هذا التغيير يتعلق بحياتهم الشخصية أم العامة في مجتمعهم.. وكلما كانت عواقب التغيير مبهمة وتحتمل المفاجآت كانت الخشية منه أكثر والعزوف عنه أكبر.. لذلك يموت معظم الأفراد وتطوى معهم قصص وأحلام ورغبات لم يكتب لها التحقيق إلا في خيالاتهم وأمانيهم، وآخرون أفضل حظا بقليل من هؤلاء تملكتهم الجرأة على التغيير لكن في مرحلة متقدمة من العمر..
أعتقد أن المسألة لا تتعلق فقط بالعوامل النفسية الداخلية للأفراد بل إن الثقافة المجتمعية للناس تحمل في طياتها تقديسا للمعتاد والمتعارف عليه والتأقلم الحاد مع ما تقدمه الحياة من خيارات جاهزة ومحددة ترهبك من محاولة تغييرها أو رفضها.. لذلك تجد أهداف الناس ورغباتهم مستنسخة من بعضهم ومبرمجة بطريقة تشعر أي شخص لا يتوافق معها بالشذوذ عن الطريقة الطبيعية للتفكير والتوجهات السليمة!! بل إن هياكل النجاح والمتعة والسعادة مرسومة في إطار تقليدي، الكل يحاول أن يتقيد به ظنا منه أن فلسفة الحياة وحكمتها خلقت هكذا..
أمر آخر يتعلق بالنمطية والروتين والخشية من التغيير، وهو أن الأفراد عندما يشعرون بالسأم والضجر من نقطة ما في حياتهم لا يسعون إلى تغيير واقعهم معها، بل ينتظرون من الظروف الغيبية أن تفعل ذلك بدون سعي منهم، وذلك أيضا مرده الخشية من مجهول التغيير.. وبما أن التغيير المفصلي يحتاج إلى قرار جريء ونافذ حتى ينقضي، سنذكر هنا مثالا هو حديث الناس حتى الآن، ويمكن أخذه دافعا للتطبيق الشخصي في حياة الأفراد، وهو قرار السماح بقيادة المرأة.. فالفيصل بين صعوبات متوهمة وأخرى متوجسة وبين تغيير جذري في حياة الناس هو نقطة اتخاذ القرار وتطبيقه.
أخيرا بشكل عام إذا أردت إحداث التغيير في حياتك فعليك بالآتي، اتخذ القرار بلا تردد إذا كنت قد فكرت فيه مليا.. لا ترفع سقف توقعاتك الإيجابية لمردود القرار عاليا.. تحمل مسؤولية آثاره الجانبية لو تعثر ولا تندم.. وتذكر انك ستندم فعلا لو راوحت مكانك بلا تغيير، وستشعر بالضعف وعدم الفخر أمام تاريخ حياتك.. معظم الأشخاص الذين أقدموا على التغيير لم يندموا على هذه الخطوة بل إن أكثرهم ندم على تأخر قراره في ذلك.. التغيير الذي يأتي على خلفية وعي أو رغبة أو قناعة أفضل من التغيير الذي يأتي بعد أزمة أو نكسة، خاصة أن القرارات التي تحف هذا النوع من التغيير تكون كردة فعل تمردي او انتقامي من الذات أو الواقع أكثر من كونها تسعى للإصلاح أو الارتقاء بالحال.