السنة الهجرية الجديدة قد أطلت ونحن بين متفائل ومتشائم، وبينهما طائفة ليست من هؤلاء ولا هؤلاء، وهم الذين تنسل الأيام من بين أيديهم سريعا لم يعرفوا بعد أين موقعهم؟، ولعل البعض منهم سيعض أصابع الندم بعد أن تتخطفه السنون كالومضة. وكما قال نابليون بعد أن نفي إلى جزيرة سانت هيلينا النائية والمقفرة: أنا المسؤول عن هزيمتي، لقد كنت أعظم عدو لنفسي!
إن المتفائل بهذه السنة، طوبى له فهو لن يخسر شيئا لأنه على أقل تقدير مسرور ومرتاح البال، وبعيد عن القلق، وهو متوقع الجانب الأفضل والإيجابي من الأيام القادمة. وسواء حصل على مراده وأهدافه التي وضعها أو جزء منها، فهو لم يضع الوقت في الندم والتحسر والقلق على المستقبل الذي لم يأت بعد، وكما قيل في المثل: لا تعبر الجسر قبل أن تبلغه، فبين يديه خطط وأهداف واقعية، وهو على أقل الظنون يعرف ماذا يريد. وفي ذلك قال برنارد شو (أديب ومؤلف ايرلندي رفض جائزة نوبل): إن بهجة الحياة الحقيقة أن تجد لنفسك هدفا رفيعا تسعى إليه.
وأما المتشائم، فهو خاسر لا محالة، فقد حمل المستقبل ما لا يحتمل، وتوقع الأسوأ وهو ربما لم يعمل شيئا أصلا لتفاديه، ويقلب يديه ليندب الحظ والحياة قبل وقوع الأحداث. أضف إلى ذلك أنه سيظل في حالة نفسية وعقلية مرهقة، ومحملة بالمآسي والتفكير السلبي، وتلك مهلكة للأبدان والنفسيات. والأسوأ أنه سيعيش الحدث مرتين، مرة قبل وقوعه ومرة بعد وقوعه، مع أنه في غالب الأحيان لن يقع. قال ديل كارنيجي (مؤلف الكتاب المشهور دع القلق وابدأ الحياة) بعد خبرة سنين ودراسات لشخصيات عدة: «وإذ توالت الأعوام، وجدت أن 99 % من المخاوف التي ساورني القلق بشأنها لم تحدث». ولعلك مثلي تستغرب النسبة العالية (99%) ولكن دعنا نتفق ان الكثير من الأمور التي سببت لنا القلق والتشاؤم في حياتنا لم تحدث كما توقعنا!
وأما الفئة الثالثة، فهي على هامش الزمن حيث تمضي سنة تلو أخرى وبدايتها كنهايتها. وهؤلاء يذكرونني بشحنة النيوترون (جسيم تحت ذري) فهو لا سلبي ولا إيجابي، بمعنى أنه حاليا بلا خطة ولا هدف. ولا يعني ذلك أنهم ليس لهم دور، بل هناك بصيص نور، فربما لديهم قدرات ولكن المشكلة هي في الالتزام والمثابرة. والبعض من هؤلاء أيضا كمثل المادة في حالة خاملة تنتظر الشاحن لتنفجر منها طاقات تبهرنا بالإبداعات، ولكن كيف ومتى هذا هو السؤال المهم. وهنا أيضا تأتي براعة القائد النبيه الذي يعرف كيف يفجر تلك الطاقات.
وقد انفجرت الطاقة الشعرية للنابغة الذبياني بعد سن الأربعين. والفيلسوف الألماني إيمانويل كانت نشر كتابه الشهير «نقد العقل الخالص» وهو على مشارف الستين. ويقال ان الإمام الكسائي (إمام الكوفيين في اللغة والنحو، وسابع القراء السبعة) بدأ طلب العلم بعد الأربعين، وكان يحفظ بضعا من المسائل فقط يوميا (قليل دائم خير من كثير منقطع).
إذن مهمتنا لهذه السنة الهجرية الجديدة إما أن نكون في حزب المتفائلين ونضع لأنفسنا أهدافا وخططا، فإن أبى بعضنا ذلك، فلا أقل من أن نبحث عن السبب الذي يفجر طاقاتنا ومواهبنا. وعلينا في المقابل الحذر والبعد عن المتشائمين لأنه محيط معد ومقلق. وخلاصة القول، أحط نفسك بالمميزين تصبح واحدا منهم!