من الأشياء الجديدة في منطقتنا الخليجية، وهي أمور إيجابية بكل تأكيد، بروز ظاهرة المراكز المتخصصة المعنية بالتعاطي مع الظواهر السياسية والاقتراب منها بالتحليل والتفسير والقراءة المعمقة، التي تستفيد بصورة مباشرة من خبرات وجهود النخب العلمية، والأكاديمية، في النقاش، والبحث والتحليل، بما يوفر رؤية ما. قد يكون من المفيد ان تجد طريقها إلى اهتمام صناع القرار للاسترشاد والاستئناس بنتائجها.
مركز الامارات للسياسات اتخذ خطوة محمودة ومهمة في زمانها، ومكانها، وبمكوناتها التي شاركت في انجاز حلقة نقاش موضوعية تناولت أزمة المنطقة الخليجية «أزمة قطر» على مدى يوم كامل وخلال جلسات أربع ناقشت الازمة من منطلقاتها، وجوهر تكونها، وقراءة مواقف الاطراف والتنبؤ باتجاهاتهم المحتملة، ومن ثم الخلوص إلى التصورات المتوقعة لطبيعة الأزمة وإلى أين تسير، وفرص وإمكانات الحل.
اللقاء الذي حشد له الاشقاء في أبوظبي نخبة من الكتاب والأكاديميين من أساتذة الجامعات والمهتمين من إعلاميين وصحفيين وساسة، ودبلوماسيين. فاق عددهم المائة مدعو من خارج دولة الامارات العربية المتحدة، انطلق من رؤية ضرورية، وواقعية دفعت بالمشاركين إلى تصور الازمة وحركة أطرافها في ظل السياقات الدولية العامة، بمعنى ان نهر العلاقات الدولية العام بفاعلية السياسيين الدوليين، والاقليميين، تحتل جزءا منه، وتؤثر فيه بطبيعة الحال هذه المنطقة، وما يحدث في هذه المنطقة من حالات طبيعية للعلاقات بين الدول، او تعقيدات واحتقانات سياسية هو ضمن هذا النهر الكبير بمعطيات التأثير والتأثر.
في ظل هذه النظرة العامة، كان اللجوء إلى تخصيص النظرة، وتركيزها على سياسات قامت بها الشقيقة قطر على مدى العقدين الماضيين انطلاقا من العام 1995م، وما سمي بالعهد الاشكالي في السياسة القطرية المعاصرة، والذي تميز كما اتفق غالبية المشاركين بالانفراد القطري بسلوك سياسي مغاير للسلوكيات السياسية للمجموع الخليجي، وكان هناك اتفاق ضمني، بين المشاركين أن الانفراد في هذه المحاولة لملامسة الأزمة يأتي بمعناه السلبي، أي أن الدوحة سعت بوعي إلى هذا الانفراد، وتعمدت أن يكون مشحوناً بالاضرار بمصالح وأمن وسلامة الآخرين، في المحيطين الخليجي والعربي، عبر كل الاذرع المتاحة لها، وهي كثيرة ولعل ابرزها السياسي والاعلامي والمادي.
الدائرة الاخرى في هذا اللقاء التي حاولت المشاركات التحرك في محيطها، تتعلق بتلمس المخاطر السياسية، وتقييمها الناتج عن عملية التفرد التي اتفقنا على وجودها كحالة تسم السلوك السياسي للدوحة.
بطبيعة الحال من غير اليسير اختصار كم هائل من الآراء، والمناقشات، والتعقيبات، ثم النتائج والافكار العامة التي خلص إليها اللقاء حول الموضوع في هذا المقام، ومع ذلك يمكن القول إجمالا: اتفاق الجميع على أن هناك أزمة غير مسبوقة تجتاح المنطقة، ذهبت بالبعض إلى القول إنها قد تكون بداية لإحداث تغييرات أساسية في الهيكلية السياسية العامة للمنطقة الخليجية، هذه التغييرات تمثل «هدفا» سياسيا وأمنيا يراود بعض الدول، التي ستسعى لاستثمار نزاعات الانفراد، والطموح بالتفكيك، والهيمنة. لا أحد يتمنى هذا، ولكنه ممكن رغم خطورته.