الوطن يعيش في دواخلنا قبل أن نعيش فيه، هكذا يشعر كل إنسان ولد ونشأ بين أضلعه، وتربى بين أحضانه، وهو في كل يوم يستنشق هواءه ويتنعم بخيراته. تبدأ علاقتنا به منذ ولادتنا ولا تنتهي بعد موتنا، بل سيبقى أثره فينا وأثرنا فيه في أجيالا متعاقبة.
وحب الوطن في العروق والأنفاس، وحبيبنا عليه الصلاة والسلام قال في حبه لموطنه (مكة المكرمة): «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت».
مما لا ريب فيه أن الأمن والأمان الذي ننعم فيه أفضل وأهم نعمة يعيش بها إنسان في وطنه. ويعتقد البعض أن قضية الأمن والأمان التي قد كثر الحديث عنها أنها مجرد كلمات تردد في كل مناسبة لليوم الوطني وفي كل محفل. ولكن لنعلم أهمية المسألة، فقد منّ الله -سبحانه وتعالى- بذلك على أهل بيت الله الحرام، فقال لهم: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ». وبالإضافة، فإنه من الناحية العلمية والنفسية وبحسب مثل ماسلو الهرمي للاحتياجات، فهما يأتيان من الأولويات الضرورية جدا في الهرم من حيث حاجات الإنسان الأساسية. وقد قيل أيضا: الدين أقوى عصمة والأمن أفضل نعمة.
أضف إلى ذلك أن العاقل حين ينظر إلى التاريخ وإلى الواقع الحالي سواء على المستوى العربي أو الإسلامي يجد أن هناك أكثر من وطن وأكثر من دولة تعيش صراعات مريرة اما بسبب الفرقة الداخلية المقيتة أو بسبب تأثيرات وتدخلات السياسات الخارجية، وكلها تصب في بوتقة واحدة مؤكدة أن الأمن والأمان هما الركيزة الأساسية التي تبحث عنها الشعوب. ولا يعرف مدى الألم الذي تعيشه فئة من الناس في أوطانهم إلا من ذاق مرارة وحرارة فقدان الشعور بالأمان في بيته أو مع أسرته أو على ماله وأرضه. وتلك النعمة والحقيقة التي نعيش في رغدها قد نأخذها على أنها مسلم بها في وطننا مع تقادم العهد، والذي نرجو الله أن يحفظه من الفرقة والصراعات، ومن الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والمسألة الأخرى بمناسبة هذا اليوم أن الوطن ليس فقط أقوالا نرددها عندما يأتي يومه من كل سنة لنُنشد ونفرح له وبه ثم بعد ذلك نتكاسل عنه. حب الوطن في كل يوم من السنة وهو يبدأ من تلك التضحيات الكبرى التي يقوم بها الرجال المرابطون على حدوده وثغوره، ومن الساهرين في داخله من أجل حمايته واستتباب أمنه. ثم تأتي أدوارنا تبعا بعد ذلك مهما صغرت أو كبرت، فحتى إماطة الأذى عن الطريق هو عمل نافع للوطن. إن الحفاظ على البيئة هو أيضا للوطن. إن عدم إهدار ثرواته الطبيعية وترشيد استخدام الماء والكهرباء، وعدم الإسراف والتبذير للنعم هي أيضا للوطن. مفهوم حب الوطن يتمثل في أفعالنا الكبيرة والصغيرة على حد سواء وطوال السنة من أجل الحفاظ عليه. وهو الاستدامة في العمل، فالعمل الدائم المتواصل خير من المتقطع المتناثر.
ومن الاستدامة في العمل للوطن المشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية والجمعيات غير الربحية الموثقة والرسمية والتي تساهم في البناء والتنمية. تعددت الصور والأشكال لحبه وكل فرد منا يملك موهبة يستفيد منها الوطن، فالكل ميسر لما خلق له، ولكن المهم أن تكون هناك أقوال تتبعها أفعال ترفع من شأنه في مجالات التنمية المتعددة.
ختاما، اللهم احفظ علينا ديننا ووطننا وقيادتنا وأمننا وأماننا، وكل عام والوطن بألف خير وعزة.