استمعت بعناية إلى خطاب الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، في مؤتمر رابطة العالم الإسلامي في نيويورك، الذي عقد تحت عنوان كبيرٍ ومهم هو: «التواصل الحضاري بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي». مكان المؤتمر وموضوعه مهمان وذكيان جدا؛ نظرا لما يحيق بعلاقات الغرب والعالم الإسلامي من التباس في المصطلحات ووقوع كلا الطرفين في مطبات عدم فهم كل منهما الآخر، فضلا عن تسبب التنظيمات الإرهابية، داعش وغيرها، في تشويه صورة الإسلام والمسلمين لدى الإنسان الغربي والأمريكي.
الشيخ السديس، الذي يحظى بثقة المسلمين حول العالم بصفته إمام الحرم المكي والرئيس العام لشؤون الحرمين، كان خطابه جريئا ومباشرا في توصيف المشترك بين الناس، أيا كانت دياناتهم ومذاهبهم، باعتبار أن هذا المشترك، الإنساني بالدرجة الأولى، يدعوهم إلى الابتعاد عن التفرقة فيما بينهم والركون للسلم والحوار.
غير المشترك الإنساني، وهذه وجهة نظري، هناك مشترك ديني على أساس أن الأديان السماوية كلها تدعو إلى قيم عليا متسامحة فيما بين البشر. وهي، في أصول نصوصها ودعواتها، لا تقبل الاعتداء أو الظلم تحت أي مبرر أو بذريعة المغانم أو ذريعة التمايز على أساس الدين أو العرق أو اللون.. إلى آخره.
الشيخ السديس، الذي سيؤخذ كلامه في هذا المؤتمر على محمل الجد من الغربيين قبل غيرهم، دعا إلى تفعيل القنوات الهادفة لإعمار الأرض ونشر الخير ومواجهة دعاة التطرف والإرهاب من أصحاب الفكر المنحرف. وهو بذلك لم يخصص أو يسمي دعاة تطرف من دين معين، بل شمل كل الأديان وكل البشر أيا كانت منابتهم ومنطلقاتهم الفكرية والثقافية.
من هنا نستطيع القول بأننا فعلا ننتقل، على يد ولسان إمام الحرم الشريف، إلى خطاب ديني إسلامي مختلف. خطاب معتدل ومتمتع بالوسطية هدفه، كما قال الشيخ نفسه، تعزيز قيم العدل والمساواة بين البشر. ومن هنا، أيضا، لا أفهم لماذا تعرض الشيخ الجليل لهذا الهجوم الشرس من البعض على وسائط التواصل الاجتماعي.؟! أليس غريبا أن يهاجم من يعرف دينه حق المعرفة ومن ينقل وسطية وسماحة هذا الدين إلى العالمين.؟!!