منذ فترة والشكوى تزيد وتعلو أصواتها ولم يبق أحد لم يسمعها. لم تصدر من جهة واحدة بل عدة جهات. إن كنت لم تعرف بعد ما أقصد فإن مقصدي بداية العام الدراسي وعودة الطلبة والمعلمين. من سمع الشكاوى ظن أن الطلبة يتعرضون للتعذيب المستمر وأن شكوى النوم تخص منعهم منه. اعتيادنا للشكوى مؤسف. فما كان يصدر من المراهقين بالدرجة الأولى تغلغل في جميع مراحل التعليم حتى تسمع الطفل الذي يرتاد الروضة يكررها. أتذكر حوارا دار بيني وبين ابنة صديق العائلة التي تكبرني بعدة سنوات. كنت حينها في الصف الأول الابتدائي وسألتها في أي صف تكون. أجابت بأنها تسبقني بعدة سنوات فقلت لها انها حظيظة وألحقتها بـ «تخيلي أنا باقي لي ١٢ سنة» مع أداء درامي يتناسب مع الجملة وقسط وفير من الشفقة على نفسي. لا أعرف من أين أتيت بهذه السلبية تجاه المدرسة وأنا في الأساس استمتع بها، ولكنني أعتقد أنني تبنيت أفكار من حولي ولم أتجرأ أن أواجه غيري برأي مخالف قد يضعني في موضع الاستهزاء.
إن كانت الغالبية تتبنى رأيا فإنه من الصعب مواجهة ذلك الرأي. ولكن بدلا من أن تكون هذه وجهة نظر الأطفال والشباب فقط، انتقل الاستياء والشكوى المصاحبة لمرحلة ما بعد الدراسة في الوظيفة. فالطفل يتعلم مبكرا من أبويه اللذين يتذمران من الدوام ولا يلتزمان بمواعيده ويتحايلان لنيل الإجازات. كل هذه تجعلنا نتعامل مع موجة عارمة من السلبية يصعب التصدي لها.
لعل الفئة الأكثر فرحا بالمدرسة هُن الأمهات - وإن كانت دوافع نسبة لا بأس بها أنانية - حيث يردن بعض الهدوء والروتين الذي يعطيهن وقتهن الخاص و«الفكة». أما البقية فيودعون الإجازة كأنهم يودعون حبيبا لن يروه مجددا.
على مدار السنة عدة مواسم نفرح ونستعد لبعضها أكثر من غيرها. فشهر رمضان على سبيل المثال يحظى بالاستعداد والتذكير بالخير وتجديد النوايا والحرص على العبادات ونستقبله بتفاؤل وروحانية نستجمعها رغم مشاغل الحياة. نتلذذ بالشهر الفضيل ونتحسر على فراقه قبل أن ينقضي وننتظر عودته في العام المقبل.
ولكن ماذا عن موسم بداية المدارس؟ فرق شاسع رغم أن طلب العلم عبادة. يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة» وهل يستهان بهذا الفضل؟ نريد الشهادات دون أن ندرس والتفوق دون أن نجتهد والوظيفة دون تميز.
كل ما نريده يتطلب العمل. إما أن نختار أهدافنا بأنفسنا ونتحمل الجهد المطلوب لتحقيقها أو لا نطالب بما لا نستحق. الحضور وحده في المكان لا يكفي، فعملية التعليم تتعدى نقل الأجساد من البيت إلى المؤسسات التعليمية.
سوف يمر العام الدراسي في كل الأحوال ولكن نحن أمام خيارين. يمكننا أن نتذمر في كل خطوة وننشر السلبية والتقاعس ونحصد مقابل ذلك ما زرعنا من عناء وتعب وسوء التجربة، أو يمكننا أن نجدد الهمم ونضع أعيننا على الهدف ونتذكر أن التعليم عبادة ومسيرة توصلنا لما نطمح فنستمتع بالتجربة ويقل عناؤها لأن أي تعب واجتهاد هو في سبيل شيء أكبر. الخيار متروك لكم.