التنسيق مع الفعاليات الاجتماعية يسهم في تقوية العمل المشترك والتعاون البناء وتنمية روح المسئولية والالتزام الوطني، ومن ضمن ذلك، تلك الأعمال الجليلة التي يقوم بها (عمدة الحي) وما تقوم به المراكز الاجتماعية التي بدأت تنتشر في الأحياء السكنية في بلادنا، ولأن الموضوع هنا عن (العمدة) فسأقتصر الحديث عنه فقط؛ لكونه يمتلك كنزا ثمينا ومهما من العلاقات التي يمكن توظيفها باقتدار، ولا ينبغي أن يكون دوره- فقط - كحلقة وصل بين المواطنين والجهات الحكومية، أو إصدار أوراق التعريف، أو المساهمة في ضبط النواحي الأمنية في الحي ومتابعة نقص الخدمات أو الاهتمام بالنواحي الاجتماعية المحدودة، صحيح أن كلها أدوار نبيلة يستحق عليها الشكر، ولكن هناك عملا دقيقا وهاما ينبغي أن يشغله العمدة كما كان في سابق الأزمان، وأعني هنا التوفيق بين المتخاصمين في المنازعات الأسرية بعيدا عن المحاكم وبالتنسيق معها، وما أجمل أن تنتهي الخلافات الأسرية بعيدا عن المحاكم. في الماضي، كانت تسوية المنازعات الأسرية تتم عبر (عمدة الحي) بعيدا عن المحاكم، وهذا المشهد الرائع لم يغادرنا في المدى المنظور، وفي هذا السياق أذكر عمدة (حي النعاثل) في الأحساء العمدة محمد الماجد- أطال الله في عمره- وكان يساعده في المهام أخوه عيسى، وقبلهما والدهما العمدة عبدالرحمن وجدهما عيسى- رحمهم الله جميعا-، فهؤلاء نجد بين طيات أعمالهم نماذج يحتذى بها وتجارب نقف عليها في الانصاف والعدل وقضايا إصلاح ذات البين ومكافحة العنف الأسري ونبذ الطائفية والعنصرية، وأسأل الله أن يتقبل أعمالهم. كان مجلس العمدة المكان المناسب للمداولات والمصالحة والتوفيق بين المتخاصمين، وكانت تلك الوسيلة من أنجع الوسائل الفاعلة كأسلوب للتسوية في الإطار الاجتماعي، لأن هذا الأسلوب يحمل في مضامينه أهدافا نبيلة منها (الستر) والتئام الشمل الأسري والمجتمعي، ومنها- أيضا- أن جميع الأطراف يخرجون من مجلس العمدة متصافين ومتحابين كأسرة واحدة، أي أن الجميع راض الى حد ما، بينما في الكثير من القضايا التي تعرض على المحاكم نجد أحد اطرافها ساخطا والآخر راضيا، لذا أرى ضرورة رفع مشاركة العمدة فيما يتعلق بالتعاون مع المحاكم الشرعية وذلك بالاستعانة به في تسوية المنازعات الأسرية، حيث سيكون هذا عاملا مساعدا قويا للمحاكم وسيخفف العبء عليها وسيوفر لها الكثير من الوقت؛ لتتفرغ للقضايا الأخرى التي لها الأهمية. ولو منح العمدة بعض الصلاحيات فيما يتعلق بالمصالحة بين الأسر والقبائل بعيدا عن المحاكم سيكون هذا خيارا إسلاميا جيدا، ثم إن هذا الاقتراح يتعلق بمصالح الوطن والمواطنين، ويحتاج إلى من يحركه ويطوره، وحبذا لو قامت وزارة العدل بالتنسيق مع وزارة الداخلية ووزارة الشئون الاجتماعية بدراسة هذا الأمر، الذي سينتج لنا شعارا جديدا هو (العمدة في خدمة الشعب)، وهو شعار يتماشى مع الشعار القائم (الشرطة في خدمة الشعب).