قضيت في آيسلندا شهرا كاملا تنقلت فيه بين المواقع الطبيعية من جبال وشلالات وفوهات البراكين والجبال الثلجية والشواطئ بالسيارة، وهي الطريقة المثلى في التنقل هناك. الكثير من المواقع السياحية في آيسلندا هي مواقع في البراري مازالت تحتفظ بعذريتها ولذلك فهي ليست مهيأة لتكون آمنة للسياح.
من ضمن المخاطر التي يتعرض لها السائح إمكانية سقوطه سواء مترجلا أو بالسيارة من الطرق والمسارات الجبلية الوعرة التي لم تهيأ أو من حواف الشلالات التي تكون بها صخور رطبة. كما أن أمواج البحر في السواحل الجنوبية قد جرفت أناسًا من الشاطئ وينصح بعدم الاقتراب منها ودوام مراقبتها دون أن يعطيها الشخص ظهره. هناك حقول حمم بركانية مشكلة كالخبز الذي ينفتق في فرن حار وتحتها الكهوف يمكن السقوط فيها وغيرها من المخاطر الكثير.
زرت مواقع عليها لوحات تحذير تنبه بالمخاطر وتوضح التصرفات الممنوعة وتخلي المسؤولية. بعضها مثل تلك اللوحة أمام نافورة مغلية وحقول بها طين يغلي تضيف أن أقرب مستشفى على بعد ٦٢ كم.
إن السياحة في آيسلندا في السنوات الأربع الماضية تضاعفت أضعافا لا يسع معها أن تهيئ الدولة جميع المواقع السياحية لتكون سهلة الوصول وآمنة ولذلك يعول كثيرا على إحساس السائح بالمسؤولية والتثقيف. غالب السياح يزورون المواقع في جنوب البلاد ولذلك يتم التركيز عليها لجعلها أكثر أمانا. ولكن من تجربتي الشخصية أفضل تلك المواقع صعبة الوصول التي تتطلب تسلق جبل أو عبور نهر. هذه المواقع لا زمن لها وأراها تماما مثل من رآها قبل مئات السنوات. لهذه المواقع حلاوة كونها تحولك من سائح عادي إلى مستكشف ومغامر.
أحد تلك المواقع المحببة إليّ شلال اسمه (Fagrifoss) فاجريفوس حيث لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال طريق جبلي وعر جدا وعبور نهرين بالسيارة. عند البحث عن ذلك الطريق الفرعي نُصحت بأن أمر على مكتب معلومات القرية كونهم على تواصل مع حراس تلك المنطقة ولديهم دراية عن حالة الطرق والأنهار في ذلك اليوم نظرا لاحتمالية تغير الظروف مع كل سقوط مطر أو ذوبان جليد.
هناك تمت معاينة السيارة إن كان يسمح لها بالقيادة في ذلك الطريق لأنه مخصص فقط لسيارات الدفع الرباعي وكذلك أعطتني الموظفة نصائح عامة عن أفضل طريقة لعبور الأنهار. مكافأة كل ذلك هي تجربة شخصية وفريدة جدا حيث استمتعنا بشلال رائع الجمال وحدنا.
ومع المغامرات والمخاطر فإن السائح ليس وحده فالرابطة الآيسلندية للبحث والإنقاذ لديها تطبيق وبرامج أتمنى أن تطبق لدينا لتقليل الوفيات في الصحاري من جراء الضياع وانقطاع الإرسال وتعطل السيارة. فمن برامجهم المعلنة بشكل واضح موقع safetravel.is حيث يشجع السياح على التسجيل به وإيداع خطط السفر لديهم ليعرفوا أين يبحثون عنهم في حال لم يصلوا للمكان المحدد في الوقت المتوقع. لمن يتسلقون الجبال ويرتحلون مشيا في الطبيعة إمكانية استئجار جهاز يرسل إشارة بالموقع في حال الحاجة للإنقاذ كما أنه يعطي نصائح وافية عن التعامل مع كل أنواع الأحداث الطبيعية. بهذه الطريقة يمكن للأفراد أن يخوضوا المغامرة ويتحملوا مخاطر محسوبة (calculated risk). مازال لدينا من يرتادون الأودية عند سقوط الأمطار ويقطعون الصحاري بناء على نصائح شخصية ويعرضون أنفسهم للخطر دون الحاجة لذلك. في زمن تغلغلت فيه التقنية لكل جوانب حياتنا علينا أن نوظفها أكثر في إنقاذ الأرواح وحمايتها.