منذ انطلاق الأزمة القطرية في شهر يونيو ٢٠١٧م حددت الدول التي تقف في مواجهة الدوحة تاريخا معلوما لا يحق بعده للرعايا القطريين الإقامة أو المرور والزيارة لهذه البلدان، استثني من ذلك حالات إنسانية خاصة، وصدرت التوجيهات بمراعاتها. قبل انطلاق موسم الحج الحالي، سعت الدوحة بصورة لا تقبل التأويل، إلى استخدام هذه المناسبة الروحية ضمن آليات الصراع مع المملكة، وذهبت في بعض المراحل إلى ما هو أبعد وأخطر كإدخال موضوع الحج ورعاية المقدسات الإسلامية في دائرة ما يعرف بالتدويل. كل تلك المراوحات القطرية تمت مراقبتها من قبل الرياض بصمت وروية، إلى أن جاء أكبر اختراق في جدار الأزمة القطرية من قبول القيادة السعودية عبر وساطة وجه عربي خليجي من الأشقاء القطريين هو سمو الشيخ عبدالله بن علي بن جاسم آل ثاني الذي قرأ الموقف بأبعاده العربية الخليجية الإسلامية، وتبعا للأعراف وعادات الجوار والاخوة، أعلنت الرياض أنها تذهب إلى آخر الشوط وتنزع باقتدار وحكمة من يد الدوحة ورقة مهمة سعت للمزايدة بها وهي ورقة تسييس هذه الشعيرة التي وصلت بالجانب القطري إلى تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة. الورقة الأخرى التي أجبرت الدوحة على خسارتها هي الرعاية الكاملة لشؤون القطريين فيما يتعلق بتعاطيهم مع أشقائهم في المملكة العربية السعودية للحج والعمرة والزيارات العائلية ولإعادة مباشرة المصالح الاقتصادية للقطريين في الأراضي السعودية. حيث اصبح هناك من ينظم كل ذلك خدمة للناس. ولابعاد الصلات التاريخية والمصيرية عن مماحكات السياسة التي يعوزها الكثير من النضج والتبصر. حيث أعلن خادم الحرمين الشريفين تكفله بحج كل الأشقاء، وعلى نفقته الخاصة، وعلى متن طائرات سعودية تصل للدوحة لنقل الحجاج واعادتهم في نهاية الموسم، علاوة على فتح الحدود وبشكل استثنائي لاستقبال الحجاج القطريين. الدوحة وضعت في مواجهة الحقيقة وهي أن الخلاف معها خلاف لدفع الضرر وتجنب الأنشطة السلبية التي استمرت لعقدين من الزمن، ولا خلاف لأي من الدول الأربع مع الشعب القطري. مواجهة هذه الحقيقة التي حاولت الدوحة التمويه عليها، يضاف لها الاختراق السعودي في موضع الحجاج والوساطة القطرية المرحب بها، كل ذلك قدم للدوحة فرصة بديلة عن الفرص التي أضاعتها منذ انطلاق الأزمة، مختصر هذه الفرصة والكلمة المفتاحية فيها هي الرياض، والحل الخليجي ولا شيء غير ذلك. الشيخ عبدالله بقبول مسعاه الحميد سعوديا قدم هذه الفرصة البديلة للدوحة والتي تعني سياسيا أن فاعلا اجتماعيا ونخبويا قدم للفاعل السياسي نشاطا يحقق أهدافه، المؤسف ان الفاعل السياسي «الشيخ تميم» وعبر بيان لوزارة الخارجية القطرية أضاع هذه الفرصة. في السياسة الفرص لا تأتي كل يوم، والفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون والمدنيون سيكون لهم تصرف آخر إذا كان الفاعل السياسي لا يحسن استثمار الفرص، إضاعة الفرص لا تعني الخسارة فقط، بل تعني أيضا دفع الثمن، وفي أحيان كثيرة أخبرنا التاريخ أن الطرف الذي يقامر سياسيا لا يستطيع غالبا دفع الثمن.