كنت أعتقد أن كلمة «مراء» مفردة جنوبية، ونجرانية تحديدا، وعلى العموم هي تعني في لهجة النجرانيين «المعايرة» أو ذكر الجوانب والصفات غير المضيئة للشخص. وفي طبيعة الحال ليس هناك انسان كامل في كل صفاته، إلا أن المراء على الطريقة الشعبية، له خاصية أخرى، وهي تحويل بعض الصفات العادية، وربما الطبيعية إلى صفات يود المرء لو لم يوصف بها لأن «المماري» يحولها إلى حالة متقدمة من البشاعة الوصفية. وبعودتي لمعجم المعاني الجامع، الذي يتميز بتفسير الألفاظ العربية باللغة العربية، وجدت أن المعنى الشعبي لا يبعد عن المعنى في اللغة العربية الفصيحة كثيرا، فمارى الشخص الشخص: ناظره وجادله، أي، نازعه وخالفه. ويقال: مارى فلانا: خالفه وتلوى عليه. عدت لكل ذلك بعد متابعتي عددا من البرامج الحوارية في غير قناة فضائية، حاولت تلك القنوات عبر برامجها السياسية الاقتراب من تفسير، وتشريح الأزمة القطرية، واللافت انه منذ اندلاع هذه الأزمة ظهر لنا من الأشقاء القطريين بعض الوجوه التي لم نكن نسمع عنها. لا في الإعلام القطري، ولا في الإعلام المحسوب على السلطة في قطر، وبطبيعة الحال لم يكن معروفا منهم الكثير في الإعلامين الخليجي والعربي. هؤلاء الرجال يقدمون انفسهم أو تقدمهم بعض الفضائيات بإعلاميين، ومحللين سياسيين او كتاب صحفيين، وحتى اساتذة جامعات وحاملي لشهادات عليا، وهذا الامر من حق الفضائيات ولا ينازعها في ذلك احد، ولكن كل هذه الوجوه القطرية تعزف لحنا واحدا، منذ انطلاق الازمة، يتمحور حول ما تتعرض له الدوحة من حصار على حد زعمهم، واستعادة الحكاية من نقطة الألف في كل مرة يتاح لهم فيها الحديث. تفاؤل الناس حتى من غير مواطني الدول الأربع التي تقف اليوم في مواجهة الدوحة بسبب سلوكها السياسي السلبي الذي يهدف الى تهديد وجود الدول الخليجية والعربية، تبخر في معظمه؛ لأن احدا ممن يقدمون أنفسهم كمحللين قطريين لم ينجح في الاجابة عن موقف بلاده من التهديدات الحقيقية لأمن الدول المجاورة، وأكثر من ذلك نجد من يوصف بأكاديمي مثل من يوصف بموظف في صحيفة محلية، ينزلقون بطريقة سريعة ومراوغة الى «المراء» بدلا من الحديث عن جوهر الأزمة، وتحليل محتويات الواقع فيها، ومحاولة اعطاء صورة لمستقبل التوتر الذي بلادهم طرف رئيس فيه.
المؤسف ان البعض سار به قطار المراء الى التعدي على رموز وقيادات سياسية في المنطقة، او ذِكر بعض الجراح العربية الكبرى مثل الجزر العربية المحتلة ايرانيا بشماتة وتشفٍ في الاشقاء العرب. السياسة والتحليل السياسي والاقتراب من الأزمات وتفحص معطياتها بهدف تقديم رأي نقدي للمشاهدين شيء يختلف عما يمارسه الاشقاء الجدد على المهنة من دولة قطر، حتى ان احد المتابعين اقترح علي عدم المشاركة مع اسماء محددة من القطريين بحجة ان اصحاب تلك الاسماء يمارسون مراء قد يليق بوصف جولات المصارعة الحرة، أكثر من وصف أزمة سياسية معقدة مثل الازمة القطرية.