أستغرب ممن يستغرب من نسب الطلاق. فما الغريب في شيء منطقي؟ لن أطرح هنا أرقاما فيكفينا أن نعرف أنها مرتفعة. ما أود التركيز عليه هو ما يحدث قبل الطلاق وهو الحياة الزوجية وإن سميناها هكذا مجازا. ففي بعض البيوت يعيش الزوجان كمتوازيين لا يلتقيان وقد يكون هذا البعد هو السبب وراء عدم الطلاق. أما البعض الآخر فيدخلون بيوتهم كأنها ساحة معركة ليسجلوا انتصارات على العدو. لذلك إن سميتها حياة زوجية آمل ألا تدققوا كثيرا فالكل يفهمها ويعيشها من منظوره.
يبتعد الزواج عن المنطق في معظم الأحيان، فإما يكون نتاج توقعات وضغوط واختيار مسلوب أو نادرا يكون نتيجة حب وكلتا الحالتين بعيدة عن المنطق. في الأولى ترى صاحب الشأن ذا رأي لا وزن له وفي الأخرى تجد القلب يسيطر على العقل. لذلك أرى أنه من المفيد أن نبتعد قليلا عن هذه البيئة المشحونة عاطفيا ونحلل الأمر من منظور مختلف يحتم علينا استخدام العقل وهو في مجال الأعمال.
من يود إنجاح مشروعه فعليه أن يخطط ويدرس الجدوى ويفهم السوق. عليه كذلك أن يملك رأس المال والمهارات المناسبة ويحيط نفسه بأهل الخبرة ممن يثق فيهم للاستشارة. أما في الزواج فلا يخطط إلا للعرس وشهر العسل. ما يحدث بعد ذلك هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه لدفع أقساط القروض. أما رأس المال فلا أقصد به المهر بل كل ما يحضر مع الشخصين من نضج وخبرات حياتية وتوقعات. وأهل الخبرة الموثوقون قد يكونون الأهل ولكن أحيانا تختلط النصيحة الصادقة مع التدخلات اللامنتهية. فبدلا من النصح وقت الحاجة يحاولون إدارة المشروع بالانابة.
في بداية أي مشروع تجاري نستعد أفضل استعداد ونكرس الساعات الإضافية لإنجاحه. من يستمع لزبائنه ويتعلم من وضع السوق يتخذ موقف المنافس القوي الذي لا يكتفي بالتكيف فقط بل يسعى للنجاح. ولكن إن رسمت هذه الصورة الإيجابية عن الأعمال فلا بد من الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من المشاريع تفشل؛ وذلك لأننا لا نستمر كما نبدأ فنتهاون تدريجيا كما يحدث في الحياة الزوجية. فإنجاحها يتطلب عملا مستمرا وجهدا قد لا يكون الطرفان مستعدين للقيام به.
في مثال آخر: قبل اندماج شركتين فإن الحقوق والواجبات على كلا الطرفين تكون واضحة قبل الاستمرار. فالاندماج ليس بالقرار السهل الذي يتخذ بتهور لما يترتب على ذلك من أضرار على الطرفين. في الزواج نجد أن المتوقع أن يذوب أحد الطرفين في الآخر وبهذا يمسح كيان له استقلاليته وهذا من ناحية ظلم وناحية أخرى إن استمر لفترة لا بد من ردة فعل وإن كانت بعد حين. فهل من حق الأقوى أن يمسح الآخر ويلغي بقايا آثار من كان إنسانا كاملا في يوم من الأيام؟
كما هو الزواج فإن المشروع الذي يظن أنه سينجح من نفسه لن يستمر وإن لم تكن محاولة الإنقاذ جادة من خلال حل الأسباب الجوهرية فإن إبقاءه ليستنزف الموارد خسارة. معرفة الوقت المناسب للخروج وإنقاذ ما تبقى من رأس المال مهم، لذلك فإن الطلاق يصبح الشيء المنطقي الوحيد في عالم اللامنطق.