بثقة وبساطة وعفوية، قالت إنها بدأت القراءة في سن مبكرة، فكلما وقع كتاب في يدها كانت «تَنْخش» لتقرأه. كانت المُتحدثة إحدى الجامعيات المتأهلات لمرحلة المقابلات الشخصية، وهي المرحلة الثانية من مسابقة القراءة الوطنية السنوية «أقرأ» التي ينظمها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي.
أعجبتني فكرة «الخَشّة» أو «الانخشاش»، وعلقت بذاكرتي إلى حد أنها فرضت نفسها «ثيمةً» رئيسة في هذه المقالة، واقترحت نفسها بقوة كجزء من العنوان. فبالفعل إن القراءة حدث «انخشاش»، أو بتعبير أدق، يتطلب «الانخشاش» بمعنى الإختلاء بالكتاب، والعزلة معه. حتى وإن كان القارئ محاطًا بآخرين في مكتبة أو في مقهى على سبيل المثال، يصبح للانخشاش حينئذ معان وتجليات أخرى غير الاختباء والاختفاء عن الآخرين، وهي الانقطاع التام للكتاب والتركيز الذهني عليه، ونسيان ما يدور في الجوار القريب. إنها حالة اختفاء في العلن، أو حالة «انخشاش» افتراضية أو متوهمة، فالآخرون موجودون وغير موجودين في الآن ذاته. في الدمام والرياض وجدة، تهيأت لي ولزملائي في لجنة المقابلات الشخصية الدكتور سلطان السبهان، والأستاذة ريم الزهراني والدكتورة زكية العتيبي فرصة الالتقاء والتحدث مع عدد من الشابات والشبان الذين اختاروا القراءة هوايةً واصطفوا الكتاب صديقًا ومؤنسًا «ينخشون» ليقضوا بصحبته أوقاتا ماتعة ومثرية. لم تكن مقابلة أية متسابقة أو متسابق اختبارًا كما قد يتبادر إلى الأذهان، إنما فرصة للدخول في عالمه الشخصي الخاص الذي أسهم «انخشاشه» المتكرر مع الكتاب في خلقه وتشكيله بدرجة ما أو بأخرى، واستكشاف علاقته بالكتاب:بداياتها، وتطورها، وتأثيرها في تشكيل وعيه ورؤيته وعلاقته بالناس. كانت كل مقابلة محاولة لتحسس وتلمس تأثيرات المُختلى به (الكتاب) على المختلي وآثار العلاقة بينهما عبر تجليها في حديث المتسابق عن نفسه وحواره مع أعضاء اللجنة.
كانت المقابلات تجربة مبهجة ومثرية بالنسبة لي، نافذة كبيرة أطللت منها على جزء جميل من عالم الشباب، والتقيت بعدد من الذين «ينخشون» بصحبة خير جليس.
باقات كبيرة من الشكر أضعها على عتبات مداخل مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي على تنظيمه ورعايته مشروع مسابقة «أقرأ» الريادي، الذي شَرُفتُ بالمشاركة في تحكيم المرحلة النهائية في واحدة من دوراته السابقة.