من أكبر الفزاعات التي عرفتها السياسة العربية، تهمة العلاقات مع اسرائيل، وكان من المألوف والمستساغ عربيا على الأقل إلى ما قبل خمسة عشر عاما تقريبا، استخدام هذه الفزاعة، والترويع بها، ويعود ذلك لجملة أمور أبرزها:
طبيعة العلاقات بين الجانبين العربي والإسرائيلي، وطبيعة المشاريع التي قدمت كخطوات للحل بين الطرفين. الأمر الآخر وهو مستجد إلى حد بعيد، ويرتبط ببروز وسائل التواصل الحديث واتاحتها هذ الزخم للناس وللجماعات للتعبير كلٌ عن رأيه. ومع هذا الفهم المنطقي كأحد أبعاد عملية الصراع التي لا يقترب منها أحد، لا نزال نجد من يتلذذ باستفزاز أو غمز قناة طرف عربي بأنه يقيم علاقات مع الجانب الاسرائيلي! أصعب من ذلك وفي ذات السياق للأسف أن هناك عمليات اختلاق لأخبار، ومواضيع أقل ما يقال عنها، إنها تافهة، تُحمل بعناوين كبيرة، وتخرج بشكل مفبرك، وتسوق للقارئ على أنها حدث حقيقي. قراء اليوم ليس لديهم الوقت لتفحص التفاصيل، والنشيط منهم يكتفي بالتهام العناوين فقط. وتعالوا نطبق ما سبق على مثال حي، هناك موقع إخباري تابع لجماعة مصنفة على أنها جماعة إرهابية في المملكة العربية السعودية، أنتج خبرا قبل مدة ، الخبر يقول إن مسؤولا إسرائيليا وجه طلبا لقيادة السعودية بدعوته إلى الرياض، أو أن تبعث لإسرائيل مسؤولا سعوديا رفيعا للتباحث في شؤون النقل والمواصلات بمناسبة قرب إنجاز أعمال خط المترو في الرياض، وعبر وكالة عالمية مغمورة للأنباء نوفستي «الروسية» قال المسئول الإسرائيلي للوكالة عبر إحدى ورش العمل، إن انطلاق المترو في المملكة يمكن ان يكون أمرا للتعاون بين الجانبين، وانه مدعاة لتطبيع العلاقات! مثل هذا التلفيق، الخالي من المضمون والسطحي جدا إعلاميا وصحفيا، لا يليق تقديمه كوجبة للناس اليوم، وهو في الحقيقة بضاعة لن تجد من يقبل عليها؛ نظرا لرداءتها. ولكنها بهذه المواصفات الرديئة تفيد البعض، وأدهى من ذلك تجد من يتبناها ويروج لها، ويعيد تصديرها في محيطه أو عبر شبكته الاجتماعية الصغيرة، هذا كله يأخذنا في رحلة لتفحص العقل الإعلامي، والسياسي العربي، والتفكير بالطريقة الطبية التي تقول إن هناك عمليات تكميم علاجي، تعني أن يجتز من معدة الإنسان - الذي يعاني من سمنة مفرطة، ومضرة بالصحة العامة- جزءا في الغالب يكون في حدود 75% من ذلك العضو أي المعدة، بهدف تقليص حجمها، وبالتالي تقليل كمية الطعام التي يمكن ان يدخلها المريض بالسمنة إلى جوفه قسرا، وبالتالي ومع الأيام يخسر بطريقة شبه آلية كيلو غرامات من وزنه تعيده إلى مستويات الوزن الطبيعي والصحي أو قريبا منه. في المقابل وعلى مستوى الخلل العقلي والذهني في صناعة الأخبار وتقديمها للناس في منطقتنا العربية، هناك جهات، وجماعات، وأفراد، وحتى دول تحتاج إلى عمليات تكميم ذهني وسياسي؛ لإبعادها عن ممارسة الإيذاء بقلب الحقائق، ليس للأنظمة القوية الواثقة المستمرة بل للناس. جزء كبير من هذا العقل الفاسد والنفسية غير السوية لا حاجة له.