الطفل الصغير يدعي الرجولة، والفتى المراهق يجهر بها ويزأر أمام من يحاول خدشها في شخصيته: (أنا رجل)، وليس ثمة فتاة لا تتمنى أن يكون فتى أحلامها رجلا، بل إن كارثة من كوارث الدهر تقع في حياة الفتاة حين تجد من اقترنت به لا يستحق هذا الوصف الباذخ. بينما الواقع يشي بأن بعض شبابنا ينشأ في محضن ناعم، وربما بين إناث فقط، فيتطبع بطباعهن الخاصة بجنسهن، وقد يضيف الدلال إلى هذه الخلطة الخطرة عنصرا ثالثا، فتمتد طفولته حتى تنتهك شرخ شبابه، وتلتهم فترة فتوته ونضجه ومن ثم رجولته، فترى تصرفاته لا تتفق مع عمره، يجهل (مراجل) قومه، وتطفح على تعاملاته أنوثة لا تجمل ولا تستملح إلا في البنات، ويعيش اعتماديا لا يستطيع أن ينهض بأقل مسؤولياته الشخصية، فكيف سيتحمل مسؤوليته أمام أسرته، وأمام عمله الرسمي، بل كيف سيتحمل مسؤوليته أمام وطنه وأمته؟! وهل مثل هذا يمكن أن يكون قادرا على الابتكار والإبداع؟.
لن تتعب في البحث عمن يصف القاسي على أهله، طويل اليد واللسان رجلا، ولا عن من يطلق على مرتكب المخالفات التي يزعج بها الناس، ويعرض حياتهم للخطر كالتفحيط والمضاربات والسرعة الجنوينة رجلا، والذي يزيد حُمقا حين يُسجن مثل هذا عقوبة له، فينشد قول القائل: يا مرحبا بالسجن فالسجن للرجال، بل ستجد شابا مغامرا فيما لا يحسن، فيورط أهله في الديون، ويوقعهم في هم وحرج وذل، وهو يسمي عنترياته رجولة، وقد يكون الأمر أسوأ من ذلك حين يقع إنسان ما في كبائر الذنوب، التي ينتهك بها الأعراض المصونة، ثم يردد ما يقوله عامة الناس: «الرجال ما يعيبه شيء» سبحان الله!!
نحن لا نحتاج إلى شباب مائع فاتر، لا يتجاوز همه تلميع حذائه وعجلة سيارته، بل إن الأمة اليوم بما فيها من أحداث جسام، وإن الوطن الكريم الذي نحتضنه بقلوبنا بما يعيشه من تنمية شاملة، ورؤية طموح، ودفاع شريف عن حدوده ومقدساته، ليحتاج إلى رجال، ينهض أحدهم مع الفجر، فيسير في الأرض حراثا صناعا معلما طبيبا مهندسا قاضيا محاميا إداريا محاسبا، مفكرا كاتبا شاعرا خطيبا، جنديا يأتمر بأمر أولياء الأمور في العسر واليسر، والمنشط والمكره، لا يعطي ولاءه إلا لله تعالى، ولا بيعته إلا لولي أمره، صرف نظره عن قيل وقال، وكثرة السؤال، ولجاجة الأقوال، أخذ عن أعلم العلماء، وهجر أهل الأهواء، فما انقادت نفسه لمجاهيل لا يعرف من أسمائهم إلا كُناهم، فهذا أبو فلان وذاك أبو فلان، بل منهاجه الوسطية التي وسم بها دينه في الكتاب العظيم.
الرجولة التي يجب أن يشب عليها جيل اليوم تعني الاعتماد على النفس في تحقيق المراد والوصول إلى الهدف النبيل المرجو، وهو ما يعني قوة الشخصية ومضاء العزيمة ووضوح الصورة الصحيحة في فكر صاحبها، حتى لا يكون ضحية هشة لمن يستهدفها، ولا تابعا ضئيلا لفكر غيره، هذه هي الشخصية المستقلة، والرجولة الحقة، وبناؤها وحمايتها مسؤولية الأسرة أكثر من أية مؤسسة أخرى.