ماذا تنتظر؟ تبدو وكأنك تنتظر شيئا. جميعنا كذلك. نربط كل شيء في حياتنا بشيء آخر. لن أسافر حتى تنتهي المناسبات العائلية ولن أشتري سلعة حتى ينزل آخر موديل ولن أزوج ابنتي حتى تتزوج أختها التي تكبرها. نصف قراراتنا في طابور اصطناعي لأولويات مفتعلة ونعلق أحدها بالآخر في تعقيد غريب. صحيح أن البعض يجب أن يأتي قبل الآخر ولكن أسمع هذه الترتيبات كثيرا على هيئة حجج. حجج يفترض أن تبرر لماذا لا نستمتع بحياتنا بشكل أفضل وأخرى تبرر لماذا لا نهتم بأنفسنا وصحتنا أكثر وغيرها.
وبينما نستمر بالتبرير لمن يحب لنا الخير حينما لا نعرف أن نقدمه لأنفسنا، بينما نقدم هذه التبريرات تمضي السنون والفرص وتتلاشى احتمالات أن نقوم بما كنا دوما نحلم به في فترة من حياتنا.
نقول إننا نريد أن نقوم بشيء ما مثل زيارة مكان أو تسلق الجبال أو القفز بالباراشوت وكونها ليست أولويات نتناسى الأمر ونخرجه بين فترة وأخرى متذكرين ولكن جاهزين بحجة لعدم القيام بذلك. وإن كان كل ما ذكرت سابقا قد يندرج من الكماليات أو الهوايات أو أي تصنيف آخر يقلل من أهميتها إلا أن التأجيل المبرر يطال كذلك أمورا مهمة في حياتنا مثل الاعتناء بالصحة والادخار من أجل توفير حياة كريمة للعائلة والبدء بذلك المشروع الذي طال في قائمة الأمنيات. هذه المشاريع تعتبر مهمة ولها أثر ايجابي على حياة من يقوم بها وتعتبر استثمارا ممتازا للوقت والجهد؛ لأن لها عوائد ملموسة وباقية.
وإن كنا نتفق على أهميتها إلا أننا نؤجلها مؤكدين أننا سوف نقوم بها ولكن بأن الوقت المناسب لم يحل بعد. اذهب بفكرك إلى المستقبل القريب. لنقل بعد سنة مثلا. تخيل نفسك تسترجع بفخر كل ما قمت به في تلك السنة. ماذا ستقول؟ ما إنجازاتك؟ ما الذي حققته؟ هذه هي أولوياتك بالفعل. حددها بعناية واعمل من أجل تحقيقها. لا تتوارث قائمة بالية لما كنت تريد أو تتبنى ما يريده غيرك من باب المشاركة. لكل منا حياة واحدة وقصيرة تمتلئ بالمسؤوليات والمشاغل ولكن لا تنس أن تترك بعض الوقت لنفسك، لما يشعل حماسك ويذكرك بأنك حي.
أعرف ما سوف تقول: «ليس لدي وقت» ولكن هذه حجة واهية. مهما انشغلت فهناك أمور غير مهمة تملأ أيامنا مثل الانشغال بالهاتف ومشاهدة التلفاز مثلا. أمور نقوم بها بالساعات في اليوم الواحد. قد نحتاجها لنوازن حياتنا ولكن لو أننا لظرف مفاجئ اصررنا بأن نجد ساعات للعناية بقريب مريض أو تولي أمر مشكلة ما لعرفنا كيف نجد الوقت ونلغي غير المهم منها مقابل الأولويات. الأمور المهمة يجب أن تسبق ما نحشو به بقايا ساعاتنا. لذلك حددها ولا تترك للمشاغل أو لغيرك بأن يحيدك عنها.
في اللغة الألمانية وصف يعجبني وهو «Das Leben beim Schopf packen» بمعنى أن نمسك «بشوشة» الحياة أي نبادر ونعيش وننتهز الفرص فلو أن الحياة إنسان يمشي لا بد من الإمساك به وأفضل مكان للتشبث به هو الشعر.
ماذا تنتظر بعد؟ أمسك بتلك الشوشة.