رصد بعض الخطابات المهمة في مسيرة الخط البياني لنمو السلطة في إمارة قطر، يُظهر لنا دائمًا أن في الدوحة أوضاعًا مغلوطة، أو غير صحيحة، وتحتاج إلى تحرك ومغامرة لإصلاحها. هذا المفهوم بدقته وقصره وتركيزه هو المعنى الذي بنى عليه المرحوم الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أسس توليه للسلطة في إمارة قطر ٢٢ فبراير ١٩٧١م ورغم الفارق الزمني الذي يقدر بربع قرن تقريبًا، فإن ذلك الخطاب، لا يكاد يختلف في مظهره الخارجي عن مضمون خطاب ابنه الشيخ حمد بن خليفة في العام ١٩٩٥م الذي تولى السلطة وأعلن أنه كان يجب أن يتحرك لتصحيح أوضاع البلاد، والعباد كما قالت الخطابات الرسمية، في قطر- وهذه مفارقة عجيبة- الزمن يعيد نفسه والخطابات تعيد مضامينها. ومن المثير للمتابعين لتفاصيل الشأن القطري، أن هناك خطابًا آخر مهمًا من حيث إنه يوفر تفسيرًا قطريًا خالصًا للمرحلة التي تعد وسيطة في عمر قطر، هذا الخطاب هو الذي دشن به عهده الشيخ تميم بعد ان تنازل والده عن السلطة في ٢٥ يونيو ٢٠١٣م وفيه حاول الأمير الجديد توصيف مرحلة امتدت على مدى ثمانية عشر عامًا، هي الفترة التي قضاها الشيخ حمد أميرًا، التفسير القطري لمرحلة الأمير الابن «الشيخ حمد» أنها مرحلة وردية شهدت الدولة والمجتمع القطري ثورة في كل شيء، وأصبحت قطر دولة حديثة، دولة مؤسسات، وورشة بناء وعمل. دولة لها علاقاتها الدولية مع الجميع، بعد أن كانت مكانًا مجهولًا للكثيرين. هذا الوصف الوردي حسب خطاب الأمير الحفيد «الشيخ تميم» وفر للدوحة مكانة دولية وثناء عالميًا أثار الحسد، وجعل بعض الأطراف الدولية تتعمد الإساءة إلى قطر. من هذه الجزئية الأخيرة يمكن للمراقب تلمس شيء من حقيقة تلك الحقبة والتي يمكن وصفها بهاجس عدم الشعور بالأمن. الذي سيطر على تفكير وسلوك الأمير الابن، تجاه الأشقاء الخليجيين بالدرجة الأولى. هنا نكون أمام معطيات معقدة لتصور مبالغ فيه للذات لدى القطريين لبلادهم ودورهم الدولي، وعدم ثقة بالمحيطين من الجيران، وثروة اقتصادية طائلة في إقليم أرضي محدود. هذه معطيات أساسية يجدر بمن يود التعرف على الدولة في قطر وقناعاتها السياسية، وسلوكها الدولي أن يقف عندها طويلا. النقطة التي يمكن أن تحيلنا إلى جزء مهم مما يحدث اليوم بين قطر والدول الخليجية، والعربية، أن خطاب التولي للحفيد تضمن بالنص هذه الفقرة «لا حاجة للتأكيد أن قطر تحترم التزاماتها الإقليمية، والدولية، فمن المعروف عن القيادة أنها تلتزم بوعودها الشفوية، فضلًا عن العقود، والمعاهدات، ولكن هناك ما هو أهم من هذا كله، نحن قوم نلتزم بمبادئنا، وقيمنا، لا نعيش على هامش الحياة، ولا نمضي تائهين بلا جهة، ولا تابعين لأحد، ننتظر منه توجيهات، لقد أصبح السلوك المستقل هذا من المسلمات في قطر، وعند من يتعامل معنا».
هذه الفقرة من الخطاب تقول الكثير عن الماضي والحاضر والمستقبل.