يُنسب إلى الأعشى قوله إن أجود الشعر ما يُغنّى، وقيل إنه كان يتغنى بشعره حتى لُقِّبَ بـ «صناجة العرب». والايقاع عند الإنسان مترافق مع الحياة نفسها، ففي نبض القلب ايقاع هو دلالة لا ريب فيها على الحياة. فإذا انقطع الايقاع / نبض القلب، مات الإنسان! وقد ترافق مولد الشعر مع الانشاد، خاصة في الملاحم التي تغنيها الشعوب منذ فجر البشرية. وقد قرأت لأحد المستشرقين أنه قابل بدويا من الربع الخالي وسمعه ينشد على ربابة بدائية قصيدة لم يتبيّنها في البداية لكنه مع الانتباه والتركيز اكتشف أن هذا البدوي الأمّي كان يتغنى بمعلقة امرئ القيس «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل..»! وقد توارثها أباً عن جدّ!
واليوم مع تطور الشعر حتى وصلنا إلى «قصيدة النثر»، نرى نصوصا نثرية يطلقون عليها «قصيدة» دون أن يعتري النص أي إيقاع مهما خفت. كأن يحكي لك الكاتب (لا أستطيع أن اقول «الشاعر») قصة أو طرفة.. أو تهويما لا تصوير فني فيه ولا إيقاع، أو كلاما لا رابط بينه سوى الغرابة والغموض ويطلق على كل ذلك «قصيدة نثر»!
ومن المؤكد، أن نصاً لا يحوي أيا من خصائص الشعر لا يمكن أن نطلق عليه جزافا تسمية قصيدة بأي حال من الأحوال مهما كان الكاتب بارعا وسديدا بانتقاء ألفاظه وكان حريصا على سبك جمله.
وقد كتب شعراء كثر معروفون، نصوصا في الصحف والمجلات واطلقوا عليها «قصيدة نثر» وينتابني هنا تساؤل مشروع: أليس من الدقيق أكثر أن نطلق على ذلك «نثرا شعريا» أو «نصا فنيا» دون أن نلوي عنق مصطلح «قصيدة» ونطلقه على ما لا ينطبق عليه؟