سألني إعلامي وباحث عربي عن أمرين محددين طفوا على السطح في ثنايا ما سماه بالأزمة الخليجية، والتي يقصد بها قطع العلاقات مع قطر من قِبل المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، ودولة الامارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية؛ احتجاجا ورفضا للسلوكيات السياسية السلبية التي تؤثر على أمن واستقرار هذه البلدان، وعلى مستقبل وسلامة المنطقة، والعالم. الأمران بينهما علاقة غريبة، وهي انهما سريان، بمعنى أن التعامل التقليدي معهما ليس من المألوف طرحه ومناقشته بهذه الاستفاضة على الملأ. ومسربان، بمعنى أن طرفًا ما سعى لإعلان ما كان يجب أن يبقى سرًا إما بين اطرافه الرئيسة، أو حتى بين الأجهزة المختصة التي تتعامل مع هذه المسائل. المكالمات الهاتفية، بين الجانب القطري، وآخر عربي، والهدف منها الاخلال بأمن بلدين عربيين خليجيين والتأثير سلبًا في منظومتيهما الاجتماعية، والرسمية وفي شكل الدولة ووجودها. استفسار الزميل العربي، لماذا لم تعلن هذه الملفات إلا في هذا الوقت، وكيف يمكن قراءة مستقبل العمل السياسي الخليجي العربي في المستقبل، بعد هذه الأزمة وبعد كشف هذه الملفات السوداء. وبعد تعاطي الناس معها بمتابعتها، وتأثرهم نفسيا ومعنويا بمضامينها؟
على المستوى الشخصي كانت عملية اعلان هذه الملفات على الملأ بمثابة صدمة كبيرة، وازعم ان اناسا كُثرا اصابهم شيء من الشعور بهذه الصدمة، حيث إن ابعد التقديرات الشخصية للأفراد يصعب أن تذهب إلى تصور ما يتداول اليوم، أو تصديقه. وقلت للزميل إن التطور في مراوحة الأزمة وصل الى نقطة يمكن ان نسميها بمنعطف ان «بعض ما يعرف يقال» خلافا للقاعدة المعروفة ضمنا، التي تقول ان ليس كل ما يعرف يقال. القول هنا في رأيي يأتي لتوضيح الحقائق ولمشاركة الجميع في طبيعة المرحلة وخطورتها. ولان الطرف الذي يدمر بصمت كل هذه المنظومة ألف حالة المداراة واستمرأ الفعل رغم بشاعته. ومن ناحية التوقيت، يعتقد كثيرون ان الدول التي كشفت عن هذه الملفات ربما كانت تأمل في استجابة أكثر مرونة من الدوحة على سلوك قطع العلاقات، ولما لم يحدث ذلك طرحت هذه الملفات لإحداث ضغط أكبر على تحرك الدوحة، وخياراتها السياسية. مستقبل العمل الخليجي الخليجي، والخليجي العربي بعد هذه الدرجة من القطيعة والمكاشفات يشير في اغلب التقديرات إلى ضرورة اعادة تأهيل النظام السياسي، ومنظومة العمل المشترك، وضرورة تنقية أسس العمل ومساراته مستقبلا بناءً على تأهيل الأطراف التي اتفق الجميع على خطر سلوكياتها السياسية في المرحلة الماضية، واعادة ادماجها في النسق السياسي الايجابي العام خليجيا، وعربيا. نظريا الموضوع ليس بتلك الصعوبة، ولكنه على المسار العملي أمر معقد ويرتبط بشكل مباشر بارادة الدول التي توجه إليها اليوم سهام قطع العلاقات، وتهم تهديد الأمن والسلم في المنطقة، ومدى قدرتها الذاتية على اعادة انتاج نفسها بسلوك مغاير اكثر اتساقا مع تطلعات المجموع الخليجي والعربي. الحلول سهلة وفي المتناول، متى ما توفرت الإرادة وغابت شياطين العناد السياسي التي تحرق الأخضر واليابس.